الإعلام العربي أنقذنا من "الكارثة"!

بديع يونس

لو تم اكتشاف أول حالة مصابة بفيروس كورونا في ووهان يومها، وتم عزلها حتى شفائها لما كنّا اليوم نواجه هذه الجائحة عالمياً. هذا الوباء المستجدّ ليس فيروساً عادياً أو موسمياً يأتينا مع تغيّر في الطقس أو ينتشر في الهواء، بل هو ما أكدته الأبحاث حتى الآن بنسبة أكثر من 80% وبأنّ مصدره حيواني وبأنّ خطورته تكمن بسرعة انتشاره كونه فيروساً معدياً انتقل من حيوان إلى إنسان وانتشر من إنسان إلى آخر. أكثر من مليون إصابة حتى لحظة كتابه هذا المقال، ويبدو أنّ الحبل على الجرّار في كبرى دول العالم و"أعظمها".

يواجه العالم اليوم خطراً قلّ نظيره، لا لأنّ فيروس كورونا ذاك لا يمكن الشفاء منه بل لأنّ ما يحتاجه العالم غير متوافر لمداواة المصابين الذين يحتاجون عناية مركّزة أو أجهزة تنفّس خلال فترة احتضان الفيروس (14 يوماً). لا دواء بعد ولا لقاح متوفّراً لحصره ومواجهته. الجسم الطبي والجسم البشري تحوّلا إلى خط الدفاع الأول في هذه الحرب. الاثنان متفاوتان بقدراتهما: لا كل جسد بشري يمتلك درجات المناعة نفسها ولا طواقم طبية كافية وأسرّة في العناية المركزة أو أجهزة تنفس يمكنها مواكبة تضاعف الإصابات السريع ومضاعفات المرضى المتفاوتة. وقد تصعقنا الأرقام بعد أن نعلم أنّ الولايات المتحدة مثلا تمتلك 2,8 سرير لكلّ ألف شخص و2,6 طبيب لكلّ ألف شخص. مثال آخر.. إيطاليا التي تمتلك 1,2 سرير لكلّ ألف شخص، أما ألمانيا التي وضعها من بين الأفضل ـ حيث يصنّف نظامها الصحي من بين الأنظمة الصحية الرائدة ـ إلا أنها تمتلك 3 أسرّة لكل ألف شخص و4,3 طبيب لكلّ ألف شخص. غيض من فيض من الأمثلة والأرقام التي تؤكد عدم إمكانية أي دولة في العالم على استيعاب أعداد المصابين دفعة واحدة مقارنة بسرعة الانتشار، مهما كان نظامها الطبي متقدماً.

إذن، وعيُ الجماعة ومسؤولية الأفراد يبقيان يداً بيد أولوية لمنع مضاعفة أرقام الإصابات والمضاعفات الصحية والمرضية التي سيعجز العالم عن احتوائها. على أساس هذه القاعدة، تم إطلاق حملات لوجوب "البقاء في المنزل" من قبل منظمة الصحة العالمية، إلا أنّ حكومات ومجتمعات بأكملها "لم تكترث" له بدايةً. أما العالم العربي فكان سبّاقاً على المستوى الدولي ويعود جزء كبير من "تفادي الكارثة" إلى إعلامه المتخصص الذي نشر معلومات وافية تباعاً، حول خطورة هذا الفيروس قبل أن يطرق أبوابه، وتلقاها الأفراد بمسؤولية ووعي انعكس على الجماعة وشعوب المنطقة عموماً.

من باب المثال لا الحصر، كانت "الحدث" و"العربية" من القنوات الأولى في المنطقة التي غطّت كارثة ووهان الصينية رغم المسافة الجغرافية الفاصلة بين عالمنا وأقصى الشرق الآسيوي. تم تجنيد المراسلين وإرسالهم إلى هذه البقعة من الأرض البعيدة نسبيا عن اهتمام أبناء وطننا العربي، إلا أنّ الكوارث الإنسانية توحّدنا كصحافيين باحثين عن خير الإنسان حيثما استقرّ. انتشر جنودنا عبر العالم ونقلوا الصورة للمشاهد العربي وأخطروه بتفاصيل التفاصيل مباشرة على الهواء على مدار اليوم وكل أيام الأسبوع. بنَت وسائل الإعلام العربية مناعة معرفية للفرد وللجماعة وغذتهم بسعة إطلاع حول مخاطر كورونا وها هي الشعوب العربية تقطف ثمار هذه المعلومات بنتائج الملوسة وحصانة معرفية انعكست على الوعي الجماعي والتدابير الاحترازية التي منعت "الكارثة". أما الزملاء في مقرات البثّ الرئيسية فقد تناوبوا يومياً وعلى مدار الساعة في مختلف الأقسام الإخبارية لتغطية الأحداث من كل جوانبها. استضفنا أطباء ومواطنين، مصابين ومتعافين، أصحاب اختصاص في علم النفس والاجتماع، اقتصاديين وسياسيين إلخ.. وعندما طرقت الجائحة أبوابنا كانت شعوبنا مهيأة لفهم خطورة هذا الوباء والتزام دورها المسؤول في الحرب على هذا العدو الخفي. الإجراءات الحكومية كانت سريعة والتزام المواطنين تنحني الرؤوس له. النتيجة ما نراه اليوم من أرقام: مجموع الإصابات والوفيات في كل الدول العربية مجتمعة (12 ألف إصابة حتى كتابة المقال) قد لا يتخطى أرقام الإصابات في دولة واحدة من "الدول العظمى" والتي كانت قد تساهلت بداية في التعامل مع هذه الكارثة أو تأخرت حكوماتها وشعوبها في استيعاب هول ما يحدث حول العالم. وهنا يُطرح السؤال الأساسي.. لماذا؟
هناك جانب مهم في هذا الصدد مرتبط باهتمامات الشعوب بمواضيع البث على وسائل الإعلام في مختلف منصاتها.

واظبت الشعوب العربية بحكم التطورات على متابعة الأخبار بالمجمل ما بين الثلاث ساعات إلى 7 ساعات أسبوعياً في ما يتعلق بالأحداث إقليميا وساعة يومياً على المستوى المحلي إضافة لما تصادف العين على وسائل التواصل وهو ما يصعب تحديده بالأرقام. أما الأميركيون فأظهروا ارتباطاً وثيقاً بالأخبار اليومية المحلية التي يتم تغطيتها وفق مجريات الأحداث في الولايات التي يقطنون فيها. أما أعلى نسبة مشاهدات فسجّلها لـ"السوبر بول" بما يوازي 110 ملايين مشاهدة تقريباً. هذا وسبقت فوكس نيوز لأول مرة قناة سي.أن.أن. الإخبارية حيث سجّلت 2,5 مليون مشاهد في الليلة الواحدة. في أوروبا، يبقى التوجّه العام للمباريات الرياضية ولبرامج التسلية وأحوال الطقس إضافة إلى مقررات أوروبية دورية تعني الفرد اجتماعيا واقتصاديا، على حساب الأحداث السياسية أو ما يجري حول العالم. من هنا، يمكن ملاحظة أنّ الشعوب الأوروبية والأميركية بمعظمها لم تكن معنيّة بما يحدث في ووهان الصينية حالها حال حكوماتها التي لم تتخذ أي إجراءات استباقية أو وقائية لمنع تفشي فيروس كورونا. فبحسب الإعلام الإيطالي فإنّ مباراة دوري أبطال أوروبا بين أتلانتا الإيطالي وفالنسيا الإسباني (في 19 فبراير – أي بعد أكثر من شهر على انتشار كورونا) كانت القنبلة البيولوجية التي فجرت الوباء في إيطاليا وإسبانيا، حيث حضر المباراة 40 ألف متفرّج في ملعب سان سيرو. وفي الولايات المتحدة حيث ظهرت أول إصابة في أواخر يناير لم تستشف الإدارة أهمية الواقعة، حتى إنّ الرئيس ترمب قلل علانية من خطورتها بدايةً، لتتأخر الفحوص الطبية وينقطع التنسيق الاتحادي فيما الشعب الأميركي لم يكن مواكباً لأحداث ما يجري حول العالم ولم يكن مهيأ بدوره لاتخاذ الاحتياطات سريعاً.

وهنا نعود إلى نقطة البداية. سلاحان أساسيان في هذه الحرب: أولا: إجراءات الحكومة السريعة التي يواكبها الوعي الجماعي لملازمة المنزل والحد من انتشار كورونا. ثانيا: الجسم الطبي للتعامل مع الحالات العاجلة والطارئة التي تحتاج لعناية مركزة. في الحالتين لا يمكن إنجاح المهمات الحكومية والطبية من دون وعي فردي وجماعي لمخاطر الكارثة، فأتى دور الإعلام العربي لتوضيح جوانب هذا الوباء وهول نتائجه وتداعياته الصحية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية وسبل مواجهته وتعريف المشاهد على درجة خطورته. وقد تركز البث على الجائحة الخفية فائقة الصغر والعاصفة بالمعمورة.

وهنا يحضرني مقال الأستاذ عبد الرحمن الراشد بعنوان "اتهام الإعلام بالتهويل"، وأقتبس منه: "في ظل عدم استعداد معظم الحكومات أو عجزها عن مجاراة الصين، فإن التوعية والتحذيرات الصحية من أهم وسائل الوقاية. إنّ التهاون في إيصال رسائل إعلامية واضحة إلى ملايين الناس نتيجتها كارثية".

 

نقلا عن العربية نت

سبت, 04/04/2020 - 22:57