هنا يقف الأزهر!

 سليمان جودة

إذا لم تكن قد سمعت الكلمة التليفزيونية التى ألقاها الدكتور أحمد الطيب قبل أربعة أيام، فأنا أدعوك إلى استدعائها من اليوتيوب وسماعها مرة، ومرتين، وربما ثلاثًا!.. وسوف تكتشف الكثير الذى فاتك فى كلمة أرادها الإمام الأكبر مُكثفة فى معانيها، وأرادها حاضرة أمام الناس فى أجواء ڤيروس أجلس العالم فى البيت، ثم راح يتجول فى أركان الأرض دون أن يقف فى طريقه شىء!

سوف تكتشف أن كل حرف فيها هو فى مكانه تمامًا، وأن كل استشهاد بآية كريمة أو بقاعدة شرعية هو فى محله، وأن دعاء التضرع فى آخرها قد أراده الشيخ الإمام تاجًا يرتفع فوق هامتها العالية!.. وسوف تكتشف أن الرجل يتحدث فيها بلسان الدين، ولسان العلم، ولسان الإنسانية، فلا يخذله لسان منها، ولكن يسعفه ويسارع بالحضور بين يديه!

يتحدث بلسان الإنسانية فيعلنها بوضوح لا غموض فيه، أن الأزهر يتضامن مع كافة الدول ومع جميع الشعوب، دون تفرقة بين دولة ودولة، وبغير تمييز بين شعب وشعب، على أساس دين، أو لغة، أو لون.. يتحدث بلسان الإنسانية لأنه لا ينسى أنه كان قد وضع توقيعه على وثيقة الأخوة الإنسانية بجوار توقيع البابا فرانسيس الأول فى أبوظبى فبراير قبل الماضى.. يتحدث بلسان الإنسانية لأنه يعرف أن هذا اللسان هو نهج الإسلام فى جوهره، وهو روح الإسلام فى مضمونه العميق!.. يتحدث بلسان الإنسانية فيدعو الله تعالى من قلبه بأن يمنَّ بالشفاء على مصابى الوباء فى كل مكان وفى كل أرض، ولا يخص مصابًا بالدعاء دون مصاب!

ثم يتحدث بلسان الدين فيذكر القاعدة الشرعية التى عشنا نسمعها مرارًا تقول إن: درء المفاسد مُقدم على جلب المنافع.. ثم يضيف لها قاعدة أخرى تقول: يُزال الضرر الأكبر بالضرر الأصغر.. وفى القاعدتين يبقى المعنى أن بقاء الشخص فى البيت، والتزامه بما تشير به الجهات المختصة والرسمية، إذا كان سيصيبه بضرر على أى مستوى من مستويات حياته، فهذا مفهوم، ولكنه ضرر أصغر يدفع به الشخص ذاته عن نفسه ضررًا أكبر هو فقدان الحياه تأثرًا بالوباء!

ويتحدث بلسان العلم فيعلن اعتزازه بما يبذله الأطباء والممرضون من جهد، ومعهم كل الذين يعملون فى قطاع الصحة، إنهم يُعرضون أنفسهم وأرواحهم لمخاطر حقيقية، ولكنهم يفعلون ذلك كله عن رغبة صادقة فى دفع خطر كورونا الزاحف عن كل مواطن!

يتحدث الإمام الأكبر بلسان الإنسانية، ولسان الدين، ولسان العلم.. معًا وفى إطار واحد يضم الثلاثة.. فيحدد المربع الذى وقف ويقف فيه الأزهر على مدى تاريخه.

* نقلا عن "المصري اليوم"

أحد, 05/04/2020 - 17:20