جهاز إداري عجوز!

عماد الدين حسين

لا أعرف هل المجتمع المصري منتبه إلى الأزمة الشديدة التي يعيشها القطاع الإداري الآن وفى سنواته المقبلة أم لا؟!

الأزمة باختصار أن الحكومة قررت وقف تعيين أي موظف جديد تقريباً منذ فترة في القطاع الإداري، وهو قرار صائب وممتاز جداً بسبب الترهل الرهيب الذي يعاني منه هذا القطاع. لكن القرار في الوقت نفسه، سيؤدي إلى وجود قطاع إداري أكثر شيخوخة وأقل شباباً في المستقبل.

توصيف المشكلة أن هناك تضخماً كبيراً في الجهاز الإداري المصري يقدره البعض بـ 6.5 مليون موظف، في حين أن تقديرات أخرى تشير إلى أنه 4.9 مليون موظف. وبغض النظر عن هذا التباين فسوف نفترض أنهم الرقم الأصغر.

رئيس الجمهورية قال أكثر من مرة إننا لا نحتاج إلا لمليون موظف فقط. وسمعت قبل أيام من مسؤول كبير في المجموعة الاقتصادية أن هناك قراراً بالفعل بوقف أي تعيينات جديدة، إلا في أضيق الحدود، وأن الذين يخرجون إلى المعاش سنوياً يبلغ تعدادهم 120 ألف شخص لا يتم تبديلهم بآخرين.

وبالنظر إلى تركيبة الموظفين فإن 60 بالمائة منهم يعملون في قطاع المحليات. لكن الرقم الأهم هو أن 30 بالمائة من هذه العمالة تجاوز سن الخمسين. وإذا سارت الأمور بنفس الطريقة فقد نصل إلى حالة تصبح فيها كل العمالة هرمة وطاعنة في السن.

المنطق الجامد يقول أنه كان ينبغي التخلص من كل العمالة غير المفيدة، لكن هناك حسابات اجتماعية وسياسية وأمنية معقدة. وبسبب ذلك فإن رئيس الجمهورية حينما قال إننا لا نحتاج أكثر من مليون موظف فقط، فإنه أضاف: «ولكن كل واحد من الباقين لديه أسرة عدد أفرادها في المتوسط حوالي خمسة إلى ستة أفراد، بما يعني أننا أمام مشكلة تخص حوالي ثلاثين مليون مواطن».

الرئيس يومها حسم الجدل وقال: «لن نستغني عن كل هؤلاء، وعلينا التعامل مع المشكلة».

ظني الشخصي أن هذا قرار عاقل وصحيح لأنه علينا أن نفكر مثلاً في عواقب القرار الذي اتخذه ممثل الاحتلال الأمريكي في العراق بول بريمر عقب 2003 حينما قرر فك وتسريح الجيش العراق، فتسبب في كوارث بلا حصر، كان من بينها أنه قدم ذخيرة بشرية جاهزة ومدربة ومهيأة لكل التنظيمات المقاومة والعنيفة والمتمردة والمتطرفة والإرهابية.

وعلى عهدة وزيرة التخطيط المصرية د. هالة السعيد فقد قالت في مؤتمر عُقد بالفيوم في 24 فبراير/ شباط الماضي إن هناك موظفاً لكل عشرين مواطن مصري وهى نسبة لا توجد في أي مكان بالعالم، لأن المتوسط الطبيعي هو موظف لكل تسعين مواطناً، في حين أن بلدانا مثل ألمانيا هناك موظف لكل 142 مواطناً.

هذا هو الواقع الأليم، ومن المهم أن يعرف المصريون أن هذه المأساة تتحملها حكومات حسني مبارك المتوالية طوال أكثر من ثلاثين سنة (1981-2011)، حينما فتحت الباب لتعيينات عشوائية لإرضاء شخصيات ونواب وفئات معينة خصوصاً أثناء مواسم الانتخابات المحلية أو البرلمانية أو الرئاسية.

ولذلك فهناك «كوميديا سوداء» في بعض المصالح الحكومية، بوجود الجد والابن والحفيد في نفس المكان. أو وجود تجمع لأبناء قرية أو مدينة واحدة في مؤسسة بعينها. بل وصار هناك تعبيراً مصرياً ساخراً هو أن هذا الشخص «من أبناء العاملين» للدلالة فقط على أن المبرر والمؤهل الوحيد له أن والده كان يعمل بنفس المصلحة.

هذه الثقافة المدمرة استخدمها بعض مشجعي الكرة في مصر حينما اخفق أحد حراس مرمى نادي كروي كبير في إحدى المباريات، ودخل مرماه العديد من الأهداف السهلة - بنفس الطريقة التي حدثت مع حارس مرمى ليفربول سكريول في نهائيات دوري أبطال أوروبا أمام ريال مدريد في مايو/ أيار الماضي - فقال الغاضبون إنه «من أبناء العاملين»، لأن والده كان حارس نفس الفريق قبل 25 سنة تقريباً!

وللموضوعية فإن أول حكومة بعد ثورة يناير 2011 وقعت في خطأ كبير حينما وافقت على تعيين أكثر من مليون عامل، معظمهم كان في باب العمالة المؤقتة. ولكي تكسب هذه الحكومة رضاء الشارع الذي كان ثائراً وهائجاً ومتمرداً، فقد أقدمت على تعيين أكثر من مليون شخص، ظناً منها أن ذلك سيقود إلى تهدئة الشارع، لكن الذي حدث عملياً أنه تسبب في أزمة مستمرة سيدفع ثمنها الاقتصاد المصري وغالبية المواطنين لسنوات طويلة.

البكاء على اللبن المسكوب لا يفيد وبالتالي فهناك واقع صعب يتمثل في أننا كمجتمع مضطرون لدفع ثمن الجريمة التي ارتكبتها حكومات حسني مبارك المتعاقبة، وهي ارتفاع سن العاملين، وعدم القدرة على ضخ المزيد من الدماء الشابة في الجهاز الإداري، الأمر الذي سيؤدي إلى صعوبات جمة، وتكلس شديد وافتقار مريع للإبداع والتجديد.

السؤال: هل هناك حلول للتغلب على هذه المشكلة الصعبة؟

بالطبع فقد بدأت وزارة التخطيط المصرية بالفعل في برامج تدريبية للعديد من العاملين ومنهم القيادات، تسبقها برامج للتقييم، والشعار: «لا يمكن محاسبة شخص لم يتم تدريبه». وهناك برامج لإعادة تأهيل العمالة، بمعنى نقلها من مكان لمكان. هناك أيضاً اقتراحات بان تتحمل كل مؤسسة رواتب مجموعة من العاملين غير المنتجين لفترة محددة حتى يُعاد تأهيلهم أو يحصلوا على وظيفة جديدة تناسب مؤهلاتهم.

أحد المشاكل الصعبة أن هناك إدارات ومؤسسات تعاني من زيادة ضخمة في عدد العاملين مثل المحليات، في حين أن إدارات أخرى تعاني من نقص فادح مثل البريد والشهر العقاري وبعض الإدارات التعليمية والصحية. وبالتالي فإن أحد الحلول هي التأهيل ثم النقل من مكان مزدحم إلى مكان يعاني من نقص في العمالة.

تقديري الشخصي أن أحد العوامل المهمة التي ستساعد الحكومة في هذا الشأن هو اكتمال منظومة البيانات سواء التي تخص البشر أو الخدمات، لأنه لا يمكن السير في عملية الإصلاح  الاقتصادي، أو أي نوع من الإصلاح في مصر، إلا بتوافر قاعدة بيانات مكتملة في كل المجالات.

 هذه البيانات تشبه جهاز الأشعة والتحاليل بالنسبة للطبيب قبل إجراء العملية الجراحية. وتلك قصة مهمة أخرى!

 DW.

 

اثنين, 09/07/2018 - 12:21