الصحة العالمية»... هواجس وشكوك

إميل أمين

أكدت الأجواء الأممية التي صاحبت انعقاد الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية، أن هناك هواجس وشكوكاً عميقة تدور من حول هذا الكيان الأممي المنوط به الحفاظ على صحة البشر على الأرض.
المشروع الأممي الذي طرح ولقي قبول أكثر من 116 دولة بشأن فتح تحقيق مستقل عن فيروس «كورونا» وكيف انتشر بهذه السرعة، وهل في الأمر تقصير ما من قبل المنظمة، مما يراه البعض من داخل الاتحاد الأوروبي أقرب إلى التآمر بين بكين والمنظمة الممثلة في شخص رئيسها الإثيوبي الأصل الدكتور أدهانوم غيبريسوس، يؤكد أن هناك عطباً ما أصاب المنظمة، وأنه حان وقت تصحيح الأخطاء، وإن كان لا أحد يعرف من سيدفع تكاليف الفيروس القاتل، الصين أم المنظمة.
ليس سراً أن هناك حالة من التواصل المباشر بين رئيس المنظمة غيبريسوس والصين، وهي التي رشحته وأذكت هذا الترشيح بقوة، الأمر الذي يتسق والدور الذي تلعبه إثيوبيا لصالح الصين في القارة الأفريقية، واعتبار أديس أبابا بنوع خاص حصان طروادة للمشروع الصيني داخل القارة السمراء.
السطور السابقة ليست من متخيلات الكاتب، وإنما هي خلاصة مزدوجة من جانبين، الألماني والأميركي؛ أما الأول فقد رصدت أذناه المرهفتان اتصالات بين الرئيس الصيني وغيبريسوس، هدد فيها الأول الثاني إن لم يعطِ الصينيين برهة من الوقت، وصلت إلى أربعة أسابيع، قبل الإعلان عن تفشي الفيروس في الصين، وخلالها كانت الصين تستجلب الأدوية والمعدات الطبية من عواصم الغرب والشرق على حد سواء، ولا تعبأ بانتشار الفيروس عبر العالم من خلال مطارات ووهان المفتوحة على العالم برمته.
لم يكن جهاز الاستخبارات الألمانية الخارجية فقط من قدّر أبعاد ما جرى، فهناك وقريب جداً جغرافياً من الصين، تقع أكبر وحدة تجسس حول العالم ممثلة فيما يعرف باسم «تحالف العيون الخمسة»، الذي يعد الجهاز الاستخباري الخفي للقوى الغربية التقليدية في أوروبا وأستراليا وأميركا الشمالية وكندا، ومن الواضح أنهم التقطوا الاتصالات الصينية - الغيبريسوسية نفسها، ما يعني أن منظمة الصحة العالمية باتت مسخّرة لأهداف ماورائية، وليذهب العالم إلى ما شاء له أن يذهب.
الرئيس الأميركي بدوره أكثر من مرة يقطع بأن بلاده لديها من المعلومات ما يؤكد بأن الصين تسببت بشكل مباشر في انتشار «كورونا»، وما لم يشر إليه هو أن الدولة الأميركية الاستخبارية العميقة، حركت بالفعل قرون استشعارها الخفية ممثلة في وكالة «داربا»، التي تكاد تكون قصصها وأدوارها أقرب إلى الخيال العلمي، ولكنه خيال تحقق ويتحقق على الأرض، إذ إن العاملين هناك يقطعون بأن الصين وراء المشهد.
لم تفلح محاولات شي جينبينغ في غسل ماء وجه الصين من خلال عرضه بتقديم ملياري دولار إلى الدول الأرق حالاً للمساعدة على مواجهة الوباء، في تحويل أنظار العالم عن الخطأ الصيني الأقرب إلى الخطيئة، وفشل جينبينغ في منع طرح مشروع التحقيق المستقل الذي يتناول الكارثة من عند المبتدأ وصولاً إلى الخبر.
بالقدر عينه لم يستطع الدكتور غيبريسوس أن يدعم اقتراح الصين، الخاص بفتح التحقيق بعد القضاء على الوباء حول العالم مرة وإلى الأبد، ذلك أنه لو فعل لاعتبر الأمر بمثابة التفاف رسمي على الحقيقة، وكذا محاولة استنقاذ الصين من ورطة أممية كبرى، ولم تنطلِ على العالم عبارات من نوعية أن العقار الذي سوف تنتجه الصين لملاحقة «كورونا»، سيكون متاحاً للعالم كله.
لم يخدم غيبريسوس الصين في واقع الأمر، وربما أراد الرجل تعزيز تحالف بلاده مع بكين على حساب بقية العالم، فجاء الأمر وبالاً على الصين والصينيين، والناظر إلى دول الاتحاد الأوروبي يدرك قدر المطالبات المليارية بالتعويضات من الصين عن الخسائر البشرية والمادية، أما العم سام فإنه يتحدث عن تريليونات.
خسارة الصين الأفدح التي عمقتها منظمة الصحة العالمية تتمثل في شرخ الصورة المبهرة للنموذج الصيني في عيون العالم، وعودة ملامح ومعالم الدولة الشمولية الهشة.

* نقلا عن "الشرق الأوسط"

جمعة, 22/05/2020 - 23:03