الميزان،

محمد فال ولد بلال

بصراحة، نحن كمجتمع نحتاج إلى شيء من الاعتدال والوسطيّة في مقاربة الأمور والحكم على الأشياء، حتّى لا نبقى سجناء ثنائية إطلاقية مقيتة تتعارض ونسبية الأشياء. فالكأس في نظرنا إما أن تكون ممتلئة تماما وإما أن تكون فارغة تماما، والسياسات في تصورنا إما أن تكون جيدة تمامًا و إمّا أنْ تكون سيئة تماما، والشخص إما صالحًا وإما فاسدًا، إما بطلًا وإما خائبًا.. لا نعرف الوسط! ولا نفصل بين الكليات والجزئيات. وبهذا المنطق المختل نجدُ أنفسنا دائما في إحدى حالتين: إمّا "التمجيد"، وإما "الجلد"!؟ لا نقيم وزنًا للعدل ونحن نكيل الكلام، ولا نقيم الوزن بالقسط ونحن نصدر الأحكام. والله تبارك وتعالى يقول: "وأَوْفُوا الْكَيْل إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيم"، ويقول "وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان". والميزان وُضع لكل شيء ولازم في كل شيء. فهو حسي في أسواق الحبوب والماديات، ومعنوي في أسواق الكلام والمساجلات وغير ذلك بمعنى العدل. نحن في الغالب، نطغى في ميزان الألفاظ والخطاب والأحكام..وهذه مصيبة حقيقية!
مُصيبة تشيرُ إلى ثقافة "المبالغة" و "النفخ" في الكلام.. وهي ثقافة سائدة في المجتمعات البدوية التي تقدس "فن" الكلام والبلاغة والأدب على حساب الدقّة والعلم...و لذلك، نادرا ما نسمع خطابا في السياسة أو في أي مجال من المجالات يخلو من: "مائة بالمائة"، "مائتين بالمائة"، "إلى أقصى حد"، "لأول مرّة"، "غير مسبوق"، "نهائيا"، "إلى الأبد"، "النير"، "المستنير"، "الفاشل"، إلخ... 
وبهذا التهويل والمبالغة والنفخ في الكلام نبحث عن الإثارة وشد اهتمام المتلقي. ونستخدم أسلوب الجزم والقطع والجمل التقريرية الحادّة للتأكيد على جدية ومصداقية ما نقوله. عندما يتحدث أحدنا أو يكتب يخال إليك أنه ينطق بالحقيقة المطلقة التي لا شك فيها ولا ريب. ومع ذلك، يبقى الاعتدال والوسطية واحترام عقول الناس و "نسبيّة" الأشياء.. أكثر إقناعًا وأقرب للصواب. 
رحم الله الإمام الشافعي كان يقول بكل تواضع وانفتاح: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب

سبت, 30/05/2020 - 12:39