أزمة كورونا وتداعياتها على الإقتصاد الموريتاني.

محمد عبدالجليل المصطفى

قبل أزمة كورونا ورغم الوضعية المالية الصعبة للبلاد كانت كل المؤشرات تدعو للتفائل: 
- توقع ارتفاع النمو الإقتصادي   6,9%
 - تناقص عجز الميزانية بحدود 5,9%
- ثبات التضخم فى حدود 3%.
وتراجع مؤشر الدين العمومى مقارنة بالناتج الداخلى الخام من 8,4% 2018  الى 7,7% 2019.
اكتشاف احتياطات معتبرة من الغاز والبدء فى إجراءات الحفر والإنتاج على الإستخراج سنة(2021-2022) من الطرف الشركة الإنجليزية(BP).
و فى ظل هاذه المعطيات اللتى تدعو للتفائل ظهرت جائحة كورونا لتجد الحكومة نفسها أمام تحد حقيقي وعدو خفي انهك اقتصادات دول عظمى من حولها رغم الفارق الكبير فى الوسائل المادية واللوجستية بينها وبين هاذه الدول وبما أن التنبؤ بحجم التأثير لايتأتى بغير تجربة سابقة كانت الدولة حازمة فى اتخاذ إجراءات سريعة للحد من انتشار الفيروس واضعة نصب أعينها المحافظة على صحة المواطنين اولا واتخاذ إجراءات تزامنية للحد من تداعيات الأزمة على مختلف المستويات الإجتماعية والإقتصادية.
بيد أن تشكيلة القطاعات المساهمة فى الناتج العام لم تترك للحكومة خيارات واسعة للمناورة:
فحسب المكتب الوطنى للإحصاء تتوزع هاذه القطاعات إلى ثلاث قطاعات وقد كانت مساهمتها فى الناتج لسنة 2018- آخر تحديث- كالآتي:
- قطاع أولى( الزراعة والثروة الحيوانية والصيد) حدود 50,391 مليون جديدة.
- القطاع الثانوى ( الصناعات الإستخراجية، الحديد، البترول، المعادن الصلبة والنحاس حدود 61,557 مليون جديدة.
- القطاع الثالث ( النقل، الإعلام الاتصال، التجارة والخدمات الأخرى) 114,023 مليون جديدة منها ما يزيد على 80,000 مليون من التجارة والخدمات فقط. 
ومع ماتمثله التجارة والخدمات من الناتج الداخلى ومع مايشارك به هاذان القطاعان فى التشغيل بالبلد وجدت الدولة نفسها مجبرة على الحد من الإجراءات لصالحهما حتى تخلق توازنا بين صحة المواطنين، وضعيتهم الإقتصادية وكذا الإقتصاد العام.. 
ورغم أن قرار الإجراءات اللتى أعلن عنها رئيس الجمهورية للحد من وقع الجائحة اتخذ سريعا فإن تنفيذ بعض هاذه الإجراءات أخذ وقتا طويلا ما يقارب شهرين ورغم أن السبب المعلن هو التخطيط الجيد للأزمة إلا أن الخوف من القادم و تمنى انحسار الفيروس فى الإصابات الأولى ربما يكون لهما دورا فى تأخير التنفيذ.
بعد ذالك دخل البلد فى مرحلة تفشى الفيروس بطريقة أوسع وأكثر من ماكان متوقعا لكنه أقل ضغطا على المنشآت الصحية من الدول الأخرى، وهو أمر متفهم نظرا للكثافة السكانية المنخفضة  من ناحية والمعدلات العمرية المنخفضة من ناحية أخرى.
 وهو ماجعل السلطات ممثلة فى الرئيس ووزير الصحة يعلنان أن الوضع تحت السيطرة ويعلن الرئيس بدأ تنفيذ الإجراءات وبما أن غالبية هاذه الإجراءات سيتم عن طريق صندوق كورونا ورغم أهميتها فإن نتائجها متعلقة بشكل كبير بتحقيق الشروط التالية:
 - التخطيط الجيد للتوزيع حول بنود الإستفادة ووضع آليات شفافة ومدروسة لتحقيق الأهداف المرسومة مسبقا.
- تقييم دقيق لتأثير التدخل على الإقتصاد بشكل عام.
 غير أن غالبية هاذه الإجراءات موجهة للإقتصاد الجزئى على حساب الإقتصاد الكلى.
وكما أن التحكم فى وضعية الفيروس وانتشاره أمر بالغ الأهمية الا انه يشكل فقط طرف من أطراف المعادلة، أما الطرف الثانى فهو الإقتصاد الكلى.
فمع التركيز على الطرف الأول فقط ستكون هنالك مخلفات، مباشرة وغير مباشرة، بالغة الأهمية على الطرف الثانى يتمثل بعضها  فى النقاط التالية:
- ستتأثر قطاعات خدمية واسعة بشكل كبير بل ستتجه لكساد شامل كقطاع الفندقة، والسياحة ووكالات الطيران وشركات النقل إلى غيره، خصوصا إذا طالت الأزمة، سواء من خلال تراجع مشتقاتها من القطاعات أو من خلال البطالة الناجمة عن الركود.
- معانات موظفو الشركات الصغيرة والمتوسطة والقطاع الغير مصنف من البطالة والإجازات الطويلة الغير مدفوعه فى أحسن الأحوال نتيجة ضعف الإمكانات المادية للمؤسسات المشغلة حتى لاتعلن إفلاسها.
وبالنظر للنسبة الكبيرة لهاذه المؤسسات ومردودها من حيث الناتج الداخلى والتشغيل فإنه لا يمكننا أن نتخيل حجم البطالة المحتمل فى حالة الركود.
- مادامت نهاية الأزمة لم تلح بعد فى الأفق فإنه من الوارد أن تصبح تكلفة  دعم الدولة للمواد الغذائية والدوائية اكبر من دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة اللتى بدورها ستساعد فى المحافظة على القوة الشرائية للمواطنين وكذا دعم المزارعين  لزيادة الإنتاج واستقرار أسعاره.
كل هاذه العوامل تجعل الدولة وهي تحاول أن تخفف من الوضعية الوبائية يجب أن تترك عينا مفتوحة على الوضع الإقتصادى المتأزم حتى لا يكون ناقلا للتأزم لكل من الوضع الإجتماعى والأمنى والسياسى.
فالعلاقة بين طرفي المعادلة هي علاقة عكسية وتحديد نقطة التوازن هو المحدد الأساسى لنجاعة التدابير المتخذة.
صحيح أن الدولة لا تملك صناديق تنفق منها كيف تشاء وأن دخلها مرتبط بحجم نشاط المؤسسات التجارية لكنها تملك الكادر البشرى والمعلومة وهما الآليتان الوحيدتان للتخطيط والدراسة حتى تكون كل القرارات متخذة على بيًنة: 

- فحساب تكلفة الحجر الصحى وحالات الشفاء وكذا تكلفت الحالات المتوفاة جراء الفيروس بحساب الخسارة الناتجة عن توقف الإنتاج لكل هاذه الفئات هي معايير تدخل فى إطار البحث عن نقطة التوازن.

- معرفة المحفزات القادرة على  توجيه الفاعلين الإقتصاديين لما من شأنه أن يخلق ديناميكية تخفف من وطأة الوضعية وتفادى اي ركود محتمل خصوصا فى غياب أي معلومة عن أمد الأزمة هي أيضا معايير تدخل فى إطار الموازنه بين أطراف المعادلة؛
- توفير المعلومة من وإلى كل الجهات ومصارحة المواطنين والشركاء الدوليين بالمخاطر الصحية والإقتصادية لها أيضا تأثيرها فى المعادلة من ناحية تعزيز المشاركة و مواجهة المخاطر وتنفيذ الحلول.

- المصادر:
١) https://www.tresor.economie.gouv.fr/Pays/MR/mauritanie-situation-economi....

٢) ons.mr

أحد, 31/05/2020 - 15:14