الأزمة السياسيبة في مالي .. بين السعة والمرونة .

تابع البعض منكم البارحة حوار الشيخ محمود ديكو مع إذاعة التقدم ' انييتا' ، بعد طول انتظار ومنذ يومين  لجواب حاسم حول ما يجري وراء الكواليس وخاصة مع مجموعة حراك 5 يونيو M5  .. 

وباعتبار أن الشيخ هو صاحب الرقم الصعب في المعادلة السياسية اليوم في مالي ومع وجود كوكبة من الساسة المخضرمين الماليين السابقين معه  فإن القرار الذي توصّلوا إليه هو الحوار والاستماع والخروج من الأزمة بشكل مشرّف للجميع لكن وفق شروط سياسية هم الذي يملونها على الأطراف التي يقودون المفاوضات  إذا أراد النظام حقا التوصّل لحل سياسي للأزمة السياسية التي تكاد تشل حركة إدارة النظام في مالي فمنذ ما يقرب من ٢٢ يوما والدولة تعيش بدون حكومة  .

وفي ظني أن الضغوطات ضخمة على الشيخ محمود ديك. منذ بدايات الأزمة وخاصة أن المتنفّذين في الدولة من مؤسسي العاصمة  باماكو ورجال دين ورؤساء سابقين كلهم ألقوا بثقلهم في هذا الأخطبوط السياسي وهم  يرتئون حوارا بنّاء مع النظام لأن الإسقاط مضرّ جدا بالجميع وخاصة بسبب الوضع السياسي  المتأزم أصلا .

وكنت كتبت في أول مقال كتبته أن الهدف الأساسي من كلّ ما يجري من حراك سياسي معارض للنظان  ليس بالضرورة هو إسقاط رأسه بقدر ما أن الهدف هو تغيير دفة إدارة الدولة أمنيا وعسكريا وسياسيا واقتصاديا .. وتوجيه بوصلة الدولة السياسية الى الجادة فنحن في دولة بها حرب منذ ٨ سنوات وهناك اقتتال داخلي ... 

وكان النظام السياسي ظن أن القوى الحية قد رضخت لسياسة الأمر الواقع منذ إعادة انتخاب الرئيس ثانية في 2018 م ولم يقرإ الرئيس أن تحت الرماد وميض نار ويوشك أن تكونت له ضرام .

فطفق الرئيس يعيّن رئيس البرلمان مقرّب من عائلته ويعيّن صهره كرئيس للمجلس الأعلى للقضاء وهكذا مع تقصير واضح في محاربة الفساد وضعف واضح في إمكانيات الجيش في حماية نفسه فضلا حماية المواطنين .

وحتى لا نكرر ما قلنا سابقا إلا أن الخارطة الجديدة والتي وضعت أمام الرئيس وبشروط معارضيه في الشارع تتلخص في الآتي : 

-حل البرلمان الجديد وخاصة بعد تصريحات رئيسه موسى تيمبيني الذي وصف المتظاهرين بالتعاون مع الارهابيين ..
-وضع لجنة قانونية تقوم برسم القوانين تتعامل مع الحكومة .
-تعيين أعضاء جدد للمحكمة الدستورية 
-وضع حكومة انتقالية ووحدة وطنية بحيث يكون رئيس الوزراء شخصا توافقيا ،  وأغلب الآراء تذهب لترشح موديبو سيدبي رئيس وزراء أسبق والذي أبدى روحا توافقية واضحة في أكثر من موقف له ..
-هذا الوزير الأول الجديد لا يمكن للرئيس إقالته. 
-ويعيّن حكومته بنفسه ويعيّن كبار موظفي الدولة .
-تكون مهمته وضع تصور لخارطة طريق لبناء الدولة من جديد 
-تأسيس نقابة للقضاة تكون بعيدة عن الحكومة .
-إبعاد طاقم القصر الجمهوري من إدارة أي شيئ يتعلق بالادارة السياسية 
-العمل بشكل سريع على إطلاق سراح النائب سوماييلا سيسي ..

هذه هي الخطة الجديدة المقربة من الإعلان الذي سيصدر رسميا اليوم في المؤتمر الصحفي المزمع عقده مساء اليوم .

والذي يظهر من الخطة أن الرئيس لم يبق له إلا المنصب شرفيا فقط ، وقبوله هذه الشروط  قد يجنّب البلد من الوقوع في مستنقع دموي يجرّ الشباب لمواجهة الحكومة كما كادت أن تتم ذلك في مظاهرات ١٩ يونيو  وثانيا : يجنّب البلد من المغامرة بمحاولة انقلاب عسكري يصعب تحمّل تبعاته حاليا  ...

والوضع سيشبه ما يحدث في السودان فهناك رئيس بدون صلاحيات تقريبا وهو عبد الفتاح البرهان بينما حمدوك رئيس الوزراء هو الذي يقوم بكل ما يتعلق بإدارة البلاد وهورئيس الوزراء ..

هذه الخطة لن يعجب البعض من الحراك وخاصة الشباب منهم  وسيخرجون لتجريد الشيخ من وطنيته ودينه لكني شخصيا أرى أنها خطة حكيمة وبداية في الاتجاه الصحيح فما بعد 5 يونيو لن يكون كما قبله ..

وكل هذه الخطوات تدل دلالة واضحة أن الشيخ محمود ليس إماما فقط قابع في محرابه  وإنما هو رجل يملك رؤية سياسية قائمة على قراءة مدعميفة للواقع الداخلي والمحيط الاقليمي والدولي ،  وهو مع كل ذلك  يمتلك مرونة في مواقفه التي رأيناها  ويتعامل مع قضايا السياسة ب" شعرة معاوية " كما هو معروف في العرف السياسي .

سنراقب مع المؤتمر الصحفي وماذا سينتج عنه وهذه هي القراءة المقربة لما سيجري ...

وكالات

جمعة, 03/07/2020 - 10:57