مقاربة سوسيولوجية حول مخلفات الاسترقاق

 محم ولد الطيب

يرقص الكثيرون  بحرارة على "أنغومة" أن العبودية لم تعد موجودة في موريتانيا على الإطلاق -وهو قول غلط؛ يطرب له جيدا أقطاب التيار الحقوقي المضاد- حين يعتبرون أنها- إن وجدت- فإن الدولة قد سنت القوانين المجرمة لها ما يجعل ممارستها أمرا مستبعدا، ولذلك هم يراهنون على عدالة الدولة وقانونيتها كعامل لا يمكن أن تمارس معه العبودية بأي شكل، والبعض الآخر يراهن على الزمن و يزعم أن العبودية ماهي إلا سحابة صيف عابرة  لن تلبث أن تنمحي مع الزمن بانمحاء الأسباب المؤدية لها والمتمثلة في نظر البعص في عاملين: الفقر المدقع، والجهل المركب.

والغريب في الأمر أن الذين ينزعجون في الغالب من ذكر  العبودية ليس أولئك «المحافظين» الذين هم مظنة ممارستها، بل إنهم أولئك المثقفون الشباب  الذين  يحسبون أنفسهم «تقدميين»، وبعض من المرتدين عن النضال، وبعض الأيديولوجين الذين انخدعوا وخدعوا "بموريتانيا تجمع الكل" ، تلك العبارة المبهمة  التي تظهر ساطعة على ورق البرامج السياسية والشحن الأديولوجي، لكنها تغيب وتضمحل بالكامل من واقع الممارسة العملية.

هذا دون أن ننسى أن البعض منهم يعارض كل نظرة لممارسة العبودية بحجة أن النضال ضد العبودية في موريتانيا -لو كان جادا وصادقا- لكان  قد طال "العبودية  الزنجية" التي تعتبر من أشنع العبوديات إلى درجة أنها تستمر إلى ما بعد الموت حسب زعم البعض، وطالما أن محاربة العبودية مرتكزة على العبودية في المجتمع الناطق بالحسانية، فإن النضال ماهو إلا خدعة  هدفها النيل من مجتمع البيظان على وجه الخصوص، والتحامل عليه دون ذنب اجترحه.

والحقيقة أن هؤلاء الذين اقتنعوا قناعة راسخة بهذا الرأي يقعون في مغالطات جمة حسبنا نذكر منها:

أولا: ماداموا يقرون بوجود العبودية في الزنوج وهم مؤمنون أن العبودية لا تتجزأ، فكيف يستقيم في في عقولهم الأمر ونقيضه، فما دامت موجودة في الزنوج فكيف يحق لهم أن يواطئوا الدولة على قضية نفيها بالمطلق، أليس الزنوج موريتانيين؟

ثانيا: ما دام المناضلون يغضون عنها الطرف، فلمَ لا يجردون هم أنفسهم ضدها قبل أن يدفعوا بغيرهم إلى محاربتها؟

غير أن النتيجة الحتمية  والخلاصة المستخلصة من أفكار هؤلاء هو أن العبودية انتهت ولم يعد موجودا إلا مخلفاتها. ولكن الاتكاء على هذه المخلفات لا يبشر بالخير، فمخلفات العبودية أشنع وأخطر من العبودية نفسها ، وما أكثر تلك المخلفات!! التي أهمها:

١- انتشار النظرة الدونية التي ينظر بها إلى أحفاد العبيد السابقين، فهم وإن تعلموا وتفقهوا فإن النظرة الدونية تظل قائمة وتظل العبودية شبحا جاثما على  صدورهم ووصمة عار على جبينهم ، وورقة ضغط يتم تحت ذريعتها أنواع شتى من الاستغلال البشع للإنسان.

٢-النظرة العنصرية المستشرية في المجتمع الموريتاني   والتي تتواصل إلى ما بعد الموت، هذا فضلا عن العنصرية في الإمامة والزواج  والتعيين، فأغلب الناس لا يرضون بإمامة حرطاني  مثلا إلا على مضض، مع أن هذا ليس أمرا مطلقا يعم كل الناس، لكنه على الأقل هو الأشيع.

٣- الاستغلال البشع لأبناء العبيد السابقين واستغلال فاقتهم من خلال أجور زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع( ويتعلق الأمر هنا بخادمات المنازل والحمالة ...إلخ .

٤- الفقر المدقع الذي يجعل الإنسان وإن تحرر بدنيا مقيدا عقيا واقتصاديا وسياسيا،   فالفقر نتيجة من مخلفات العبودية وليس بالضرورة سببا أوليا لها.

أربعاء, 08/07/2020 - 13:21