للإصلاح كلمة علي هامش ما قاله بعض الأطر في صالون الحرية عن قضية لحراطين

محمدو بن البار

كلمة الإصلاح تود قبل كل شيء أن تحمد الله علي أن وقاها من الميل الطبيعي للاهتمام بما يثار في دنيا الناس من الأشياء الجانبية عن الحياة الطبيعية ، ليقيني أن الناس في الدنيا مهما كانت وظائفهم أو زعامتهم أو ظهورهم علي المسرح أمام الناس فهم يمثلون في الدنيا الطيور التي تنزل علي الأشجار وفي أقل من ساعة تطير عنها ( والأمور نسبية ).
فكل قومي أو زعيم أو ناشط في أي مجال فسيبقي عما قليل حديثا تتناوله الألسن فقط ، ولذا يقول الله لرسوله في شأن حياة الأمم : (( ولقد أرسلنا رسلنا تتري كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون )) ويقول الحكيم دريد :
وما المرء إلا حديثا بعده            فكن حديثا حسنا لمن وعي .
ومن أجل هذه الحقيقة فقط : - فإني أجعل كتابتي في أي موضوع كالمصور الذي لا عمل له إلا تفعيل آلة التصوير للواقع بدقة ومن غير أي تحريف ، وهذا الموضوع الذي سوف أكتب فيه هذه الأسطر سوف يكون بإذن الله من هذا القبيل .
فأقول قبل كل شيء فيما يخص حياتي أني كنت خرجت من موريتانيا سنة 1964 طلبا للبحث عن الدراسة العصرية في الدول العربية  لنيل الشهادة الرسمية، وبما أن محيطي التربوي البيئي ينعت بالتدين الطبيعي الموروث، فقد وجدت بعد خروجي عن موريتانيا سياحة ممتعة في قراءة الكتب التي تصدر عن المفكرين الإسلاميين آنذاك، وفهمت من تلك الدراسة الممتعة الإسلام علي حقيقته الموجودة في نصوصه في الوحيين القرآني والسني، كما أراد الله أن يجعلهما بين يدي المسلم ليدخل الإسلام في قلب المسلم العاقل بسهولة، ولكن الله وصف هذا المسلم الذي تدخل في قلبه بأنه : - يفكر – ويعقل – ويتذكر – وهو من أولي الألباب المفعلة – وأولوا النهي المتميزة إلي آخر ما لا نهاية له من التوضيح في الذكر الحكيم المفصل من لدن حكيم خبير .
وبذلك وقفت لأجد نفسي مجبرا علي التفكير في حياتي الدينية البيئية الموريتانية قبل لقاء الله الذي لا بد منه ولا بديل عن وقوعه.
واختصارا للموضوع فأول ما لفت نظري هو عموم رقابة الله علي البشر كله ، وليس لهذا الإنسان بعد الموت إلا الرحمة أو العذاب الأبديين من أي لون كان، فقد تذكرت أنني تركت في موريتانيا شعبا غافلا عن أن مصيره الأخروي واحد مهما كان نسبه أو لونه أو لغته إلي آخره، وأول ما أزعجني في ذكر حياتنا تلك هو قضية الاسترقاق، فالإسلام الصحيح الذي عرفته من جديد نقيا من العادات والمفاهيم التقليدية الاسترقاق عنده محدود الزمان والمكان لكثرة حث النصوص الشرعية علي التخلص من مباحه، مع صعوبة حصول هذه الإباحة، ووقوعها قليلة في زمن مبكر من تاريخ الإسلام ومحدودة في الزمان والمكان بحسب ما وقع في صدر الإسلام، فلذا عزمت أنني عندما أعود إلي موريتانيا أول ما أحاول هو إزالة تبعية المسلم الموريتاني عن مسؤوليته عن الرق الخطيرة عليه بعد الموت، فهي منسوبة للإسلام ولكنها مستنسخة من غير أصل الإسلام الحقيقي، الذي أصبحت أفهم مقاصده جيدا حسب القدرة علي الفهم الصحيح.
وعند أول يوم عدت فيه إلي موريتانيا وهو تقريبا 01/08/1969 استدعيت كل من كنت أعتقد أن لي عليه رق، وهو ولله الحمد قليل، فهو ميراث مشترك في شخصين فقط، وقلت لهما: ( من الآن فصاعدا لا ملك لي عليكما ولا ملك لكما علي ، ولكن نبقي إخوة في الدين والقبيلة والتعاون الاجتماعي إلي آخره، مع أنهما يسكنان مع أسرتهما).
وبعد 3 أشهر فقط توظفت ككاتب ضبط أول في المحاكم العليا في موريتانيا، وفي سنة 75 تحولت إلي مفوض من الشرطة حتى وصلت إلي سن التقاعد سنة 2003 وأنا – دائما - مدير جهوي للأمن في الولايات التالية : اترارزة – تكانت – الحوض الغربي – الحوض الشرقي – تيرس الزمور – كيديماغا، بمعني أني كنت دائما في كل هذه السنين علي رأس الضبطية القضائية التي تسبق فيها الشكايات في هذه الولايات، وما كنت أتمناه هو أو أن تأتيني أي شكاية بسبب رق، سواء في ادعائه علي شخص أو ادعاء منع ميراث بسبب الرق، وذلك لأكيف الشكاية بأنها جريمة جنائية متلبس بها، إلا أنه مع الأسف لم تأتني في 28 سنة أي شكاية من هذا القبيل، ولم نعلم بها مع أن هناك حركة " أخوك الحر " وبعد ذلك حركة " نجدة العبيد "، وأذكر أنه مر علي في الحوض الغربي الزعيم مسعود ولد بلخير يريد رخصة لشراء البنزين لتقنين ذلك عند قلته في الولاية، واستقبلته كزعيم لحركة "أخوك الحر " أقدره بصفتي الأمنية بغض النظر عن لونه ولبيت طلبه كما أراد.
وفي سنة 1983 عندما صدر المرسوم الرئاسي المجرم للرق - وأنا في روصو-  قمت بمحاضرة في المسجد لأوضح شرعية المرسوم إسلاميا، وهذه المحاضرة حولتها فيما بعد إلي كتيب عنوانه: " معالم التحقيق في شرعية إنهاء الدولة لمسألة الرقيق " وأسسته علي الأسئلة الثلاثة التالية : 
أولا : ما هي حقيقة الرق في الإسلام
ثانيا :  هل تنطبق تلك الحقيقة علي ما  منه كان موجودا في موريتانيا 
ثالثا : هل يجوز للدولة عتق أرقاء الآخرين 
وهذا الكتيب موجود في المكتبات وفيه ما فيه من الدليل المؤصل عن تحديد الرق في الإسلام.
والآن كل ما تقدم أعتبره مدخلا لتوجيه تسجيلات سمعتها من أطر تدخلوا في قاعة صالون الحرية في قضية لحراطين، فقد سمعت تسجيلين من زعيمين الأول : ابراهيم بن بلال والثاني : الشيخ أحمد بن الزحاف يخاطب زعيما آخر اسمه الساموري .
وكما أشرت سابقا فإن أي متكلم في قضايا العموم فعليه أن يكون مصورا فقط ولا يكون بانيا ولا مفككا للمجتمع، ولكن ما سمعته من الأخ ابراهيم بن بلال، فكأنه شخص فصل بين ما يقوله لسانه وما تراه أعين الناس كل الناس من البيض والسود في المجتمع الموريتاني العربي علي حد سواء، فأبدل الواقع المعيش وحصر هذه الفئة العربية بين خليتين فقط متميزتين في موريتانيا لا ثالث لهما وكأنهما يسكنان في منزلين متقابيلن: إحداهما بيضاء كلها، وكأنها وحدة متضامنة اسمها " البيظان " ، والأخرى كأنها وحدة متماسكة اسمها " لحراطين "، وما في موريتانيا من رجال ونساء ومفكرين وعلماء وعقلاء من البيض والسود لا يرون واقع موريتانيا أمامهم هكذا، فالحقائق المرئية لا يخاطب بها لاعتقادها علي غير حقيقتها إلا المجانين، فمن تقول له أنك الآن تمشي فوق السماء أو أنك لا تمشي إلا علي رأسك بدل رجليك ، فأنت لا تريد من مخاطبك أن يستمع إليك، فموريتانيا في أول دستور يعبر عنها كدولة بعد استقلالها أوضح وصفا للمساواة في ما بين أجناسها هو أوضح مادة فيها ، فالأخ ابراهيم يجسد من يخاطبه ولكنه لا يسميه لأنه غير موجود في الخارج فيقول: " لحراطين أصبحوا كبارا ومثقفين ويريدون نصيبهم من الدولة " ولكنه لا يكيف من يخاطب، فهل هو يخاطب بيظان الكبلة أو الحوضين أو الشمال أو الجنوب؟ لأن كل أسرة بيضاء كانت أو سوداء لها أن تقول ما يقوله هو، أو تقول أن كلامه لا يعنيها، لأنها ممكن أن تكون من الفقراء مثل ما يقول هو وذلك لأسباب كثيرة، أو تكون من الترتيب السفلي في المجتمع ولأسباب كثيرة وذلك يعم الجميع بيضا وسودا، ومن يتكلم هو عنهم يمكن أن يكونوا أغنياء وعلماء ومثقفين وأصحاب رتب كبيرة لم يصلوها إلا كما وصلها زملاؤهم من اللون الآخر إلي آخره، بمعني أن من سمع كلامه يتيقن أنه لا يسكن في موريتانيا، فمن يريد أن تسمع منه الحقيقة فليشخصها تشخيصا ملزما للسامع.
أما كلام الأخ الشيخ أحمد ولد الزحاف فيظهر للمستمع أنه ينظر إلي صورة لوحة أمامه يقال لها موريتانيا، ويصورها كما هي، فعموم كلمة لحراطين علي كل أسود يتكلم العربية خطأ، فهذا اللقب ولادته جديدة بالمعني المفهوم الحالي، وأجدّ منها وأبعد من الحقيقة من يقول لهم " الأرقاء السابقين " لأن كثيرا منهم لا رق عليه سابقا، فهناك آلاف من السود العرب لا تستطيع أن تقول أنه سبق عليهم رق، فلم ينطق أي مفكر ولا فيلسوف ولا مجتهد قبل إبراهيم بن بلال بأن اللون الواحد يشكل قومية مثل الأصل والنسب، لأن الألوان محدودة ، والقوميات غير محدودة، ولكن اللغة هي التي توحد القومية ولذا قال المولي عز وجل: (( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ))، فلم يقل إلا " من أصل أو لون قومه " ، ولذا فإن إسماعيل عليه السلام أرسل إلي جرهم وهم قومه وليسوا أصله، لأن أباه إبراهيم ليس بعربي وأمه هاجر قبطية، ومع ذلك هو عربي بسبب لغة جرهم التي هي لغة بيئته، فمن يستطيع أن ينتسب إلي غير أبيه، فالاختيار هنا لقومية أخري مع وحدة اللغة معدوم، فنحن جميعا الآن في هذه الآونة لا نحب أن نكون عربا، لأنهم الآن في أسوء حالة أمة علي الأرض، ولاسيما في مسكنهم الأصلي الجزيرة العربية والشام والعراق، وذلك لقتلهم لأنفسهم عمدا واستدعائهم للأجانب ليقتلوا نساءهم وأبناءهم أمامهم، فهم بذلك أصبحوا أذل وأحقر في العالم من أن يراد الانتساب لهم ولكن الاتحاد معهم في اللغة لا يمكن إنكار العروبة معه.
وباختصار فإن الجهل والفقر في البيظان والسودان يشملهم جميعا، فإذا كان سبب الجهل تنمية الحيوان وفلاحة الأرض، فالجميع بيضا وسودا رعوا الغنم والإبل والبقر والجميع اشتغل في الزراعة في الضفة والأودية مع أن أكثر الجهل سببه هو العزوف الاختياري عن التعلم أو نوع من التعلم وهذا يعم الجميع أيضا، فمن أراد أن يتكلم بصدق ويستمع له العموم فليفعل ذلك بعد تشكيل لجان في كل مقاطعة وينظر إلي فقرائها ومن يحتاج منها للمساعدة أيا كان لونه، وبعد ذلك فليصرح بما رأي، أما الوظائف فقد قال الأخ ابراهيم أن الشهادات في لحراطين كما قال أصبحت عالية وكثيرة، فالمسابقات مفتوحة، أما التعيين بالوساطة فهو المرض الخبيث المزمن الذي يشتكي منه كل لون، وعلاجه نزاهة من يتولون المسابقات أيا كان لونهم.
هذه نبذة قليلة في الموضوع تبين أصوله، وما هو مخزون من معرفة حقيقة الجميع لا تبينه هذه الأسطر فقط، فكما قال الأخ الشيخ أحمد بن الزحاف : " أن لحراطين طبقات " فكذلك البيظان طبقات، وأن فرض تمايز بعضهما عن البعض هو الذي يسبب الظلم والغبن إلي آخره، وفيه حقن الجراثيم الممرضة في الجسم الصحيح، فعلي الأبيض والأسود منا أن يلتحم الالتحام المأخوذ من الإسلام كما نشاهد في سلوك جماعة " الدعوة والتبليغ " وتلاميذ محمد بن سيدي يحي حيث أصبح المحجبات من السود أكثر بكثير من أخواتهن البيض ، وكذلك الأمانة والتطبيق الحرفي لقوله صلي الله عليه وسلم " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " والتطبيق الحرفي كذلك لقوله تعالي : (( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا وعلي ربهم يتوكلون )).

 

جمعة, 17/07/2020 - 20:12