يا ناس الهوية قدر لا خيار !!

التراد سيدي

إننا بادئ ذي بدء لايمكننا انطلاقا من ميولنا السياسية وتوجهاتنا الشرائحية أو الإيدلوجية تغيير طبائع الأمور وإلباسنا الأشياء اللبوس الذي نريد و وضع البصمة التي يحلو لنا وضعها على الذي نريد وضعها عليه دون مراعاة للواقع ودون التسليم بطبائع الأشياء فهذا نوع من العبث الذي لايجوز ولن يترتب عليه شيء ذا قيمة... نحن قادرون على وصف حالة معينة وإعطائها من الصفات مانشاء لكننا غير قادرين مهما بذلنا أن نخلق ونصنع واقعا غير الواقع وحقائق غير الحقائق فالواقع يبقى هو نفسه مهما حاولنا تزييفه وإن مانبذل من جهد لتشويه حقائق الواقع وتشكيل الصور وصناعتها وتنميقها لاعتبارها حقائق ومسلمات لاتتزعزع كل ذلك سيذوب ويتبخر ويبقى الواقع ثابت صلب لا تغيره الإدعاءات.
إن اعتقاد البعض أن الهوية اختيار ومواقف تجتمع عليها جماعة معينة في وقت ومكان معين أوقعهم في أخطاء ومغالطات كبيرة ترتبت عليها أفكار هدامة تؤسس لشكل من التمايز والتنافر والتناقض بين مكون واحد بحجة وجود تراتبية ناجمة عن مرحلة من الماضي عاشها المجتمع في ظروف تم تجاوزها وأصبحت من الماضي الذي يجب علاج تأثيراته و محو مخلفاته وخلق الأدوات والوسائل التي تمكن من بلوغ تلك الغاية وبدل انخراطنا جميعا في هذا المجهود ذا القصد النبيل يقوم البعض الذي ذكرنا بمهمة أخرى أولى عنده بالأولوية وهي خلق وتنمية وصياغة أسس منطلقات جديدة تبرر ميلاد هوية خاصة لمكون لحراطين ( العرب السمر) ونفي أي رابطة بمكونهم العربي !! ومع وجود الرق ومخلفاته في كل المكونات الوطنية فإن الإخوة لا يريدون فصل أحد عن مكونه إلا الأرقاء السابقون في المكون العربي فإنهم يريدون أن لايكون بينهم رابط إلا ماضي الرق والتعذيب والاضطهاد وكلما يشحذ الهمم للأنتقام والابتعاد أقصى مايكون الابتعاد و يعتبرون هذه السياسة وهذا التوجه هو الكفيل بتسوية مخلفات الماضي وتصحيح الحاضر والتوجه بفعالية وإيجابية نحو المستقبل ... فهؤلاء الإخوة يتصورون أن خلق مكون جديد له صفة القومية بكل تميزها وخصائصها يفصل مكون لحراطين ( العرب السمر ) عن إخوتهم من المكون العربي هو البداية لنيل مكانتهم ومستواهم الذي يِسْتَأهِلُونَهُ والمساواة التي هي حق للجميع كما هي حق لهم.
إن خطأ هذه الجماعة -التي أثق في صدق دوافعهم- كبير ونتمنى أن ينتبهوا له قبل أن تترتب عليه نتائج في غاية الخطورة ... إن هذا التوجه يضر أشد الضرر بالوحدة الوطنية والانسجام داخل المكون العربي اللذان يشكلان شرطا لتحقيق المهام الضخمة التي يتطلبها علاج مخلفات الماضي ورواسب الحاضر و العمل لترقية المجتمع في وحدة وانسجام ضروريان.
إن اعتبار الهوية شيء قابل للتغيير بقرار شخصي أو ميول أو عاطفة خاطئ وخطير لأنه لا يمكن تغيير طبائع الأمور بجرة قلم أو شعارات محمولة.. فالهوية وليدة عوامل كثيرة ثقافية تاريخية اجتماعية نفسية تجعل الروابط داخل الكيان غير قابلة للفصل و الاجتزاء فالهوية قدر لا خيار وحالة طبيعية لاحالة اصطناعية.
إن مهمتنا تقمص هويتنا كقدر لايمكن تغييره سواء جعلناه قدرا محببا كما يرى البعثيون أو اعتبرناه مرفوضا كما يراه الإخوة المصممون على خلق كيان جديد من الكيان الجامع.
إن الوحدة ضرورية لفعالية العمل و إزالة النواقص التي تعترض طريق إنهاء كل ظلم أو غبن أو تهميش والقضاء على كل مظاهر نقص المساواة على كل الصعد دون تحفظ ودون تردد وبدأ العمل الجاد و الواضح الممنهج والمتدرج لعلاج حالة طال الزمن قبل أن تنال ماتستحق من علاج ومن تسوية وليس التركيز على فصل مكون الحراطين ( العرب السمر) عن مكونه إلا عاملا معرقلا للوحدة ومثبطا للعمل الحقيقي الشامل والجدي لإنهاء الرواسب والمخلفات ومختلف تأثيرات ماضي الرق وعدم المساواة إن الذين يتحججون بوحدة المستشرقين سابقا يتجاهلون أنه لو كان ماضي الاسترقاق قادرا على خلق كيان متميز لكان أوجده في طول العالم وعرضه الذي كان فيه الرق. لقد كان الرق في جميع العالم وقد وجد في كل مكان. وفي كل مكان انتهى فيه الرق ذاب فيه الأرقاء السابقون في مجتمعهم المنحدرون منه ولم يكونوا مجتمعا جديدا.. فأين الأرقاء السابقون في السعودية وفي مصر وتركيا والسودان واليمن وكل البلاد. إن الأرقاء السابقون جزء من مجتمعهم الذي كان يسترق هم وعلاج وضعهم بإنهاء الحالة و وضع نظام مساواة ينتهي به الأمر ..وهذا يتطلب وحدة عمل المؤمنين بمبادئ الحرية والمساواة وعلاج الماضي الذي أصبح مرفوضا من الجميع وكل عمل يدخل شأنا غير ما ذكرنا لن يفيد إلا تجميدا لواقع واضطراب الجهد أو خلق روح التنافر والكراهية والأحقاد وما يترتب على ذلك مما ليس مرغوبا ولا مفيدا لمجتمعنا الذي يحتاج المحبة والوحدة والانسجام وبدء مرحلة جديدة من التطور الإيجابي فليس يخدمنا الصراع والنزاع ومن يرى أنه لا يستطيع تحصيل الحرية و المساواة إلا بالعنف فهو مخطئ وزعماء نضال الحقوق المدنية في إمريكا حصلوا على الكثير بنضال سلمي وهم في مجتمع لا روابط تربطه وفي مجتمع جنوب إفريقيا التي كانت تطبق تمييزا عنصريا بشعا بكل صيغ التمييز المقيت كان دور النضال العقلاني ل"نلسن مانديلا" حاسما ولم يعمل لهزيمة البيض وهو قادر على هزيمتهم وإنما وصل لما يريد دون الإضرار بأمته وشعبه لأنه عاقل ويفكر في العواقب.
فالذين يبحثون عن تكوين هوية للحراطين ( العرب السمر) أكثر خطرا على قضيتنا جميعا قضية العدالة والمساواة من الذين بجهلهم لا يرون ضرورة المساواة ولايرون أن هناك مشكلة تستحق العناء هؤلاء بجهلهم وسلبيتهم أقل ضررا على العمل الذي يستهدف إنهاء الظلم والغبن من الذين لايريدون شيئا قبل نزع جزء من المكون العربي وإعطائه هوية جديدة تميزه وجعل ذلك أولى الأولويات وتعبئة أعداد من الشباب وشحنهم بأفكار متطرفة متحجرة متحفزة للشر لا يمكن التحكم في توجهم ومسارات تطورهم الأمر الذي تتطلب المصلحة العليا وقفه قبل فوات الأوان.!!!
وخلاصة القول أن الهوية واحدة لكل مكون العرب مثلما هي واحدة لكل مكون الهال بلار والسونيكى والوولف و ينقصنا للجميع المساواة وإنهاء التراتبية و الإشتراك في كل شيء وفي تساوي الفرص وفي التكافؤ والعدالة والمساواة في مختلف متطلبات الحياة و وضع خطط وبرامج لترقية وتمكين المهمشين وتشجيع تطبيق المساواة بجميع صنوفها و وضع سياسة تخدم هذا التوجه واستخدام الإعلام والفتاوى الدينية وخطب المساجد وبرامج الأحزاب ونشاطات المجتمع المدني جميعها في هذا التوجه وعدم عمل أي عمل من شأنه خلق البلبلة أو التناقض أوأي شيء يمس بالوحدة الداخلية لمجتمعنا الذي نحتاج وحدته وتعاونه لإنهاء مرحلة البؤس والألم التي ورثناها من ماضينا الذي حان علاج مخلفاته وآثاره مهما تطلبت تلك المعالجة من مكابدة ومقاسات ومعانات... فليس لنا خيار آخر غير التقدم بخطى جسورة و واثقة نحو مستقبل العدالة والمساواة 《وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون》. صدق الله العظيم .....

اثنين, 03/08/2020 - 17:39