في ذكرى احتلال الكويت… عودة الغباء

خير الله خير الله

يبقى الاحتلال العراقي للكويت في الثاني من آب – أغسطس 1990، أي قبل ثلاثين عاما، أحد أهمّ الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية.. وصولا إلى حدث الاحتلال الأميركي للعراق في ربيع العام 2003. غيّر الاحتلال الأميركي للعراق التوازن الإقليمي في المنطقة عن بكرة أبيه. لم يسقط العراق فحسب، بل سقطت سوريا وسقط لبنان أيضا.

لم يكن الاحتلال الأميركي للعراق ممكنا، لو كان في العراق، حتّى سنة 2003، عقل سياسي يعرف شيئا عن الموازين الإقليمية والدولية بعيدا عن الانفعال والعشوائية والتصريحات والخطابات الفارغة.

قرأت شخصيا، وأعدت قراءة، محضر اللقاء الذي حصل بين السفيرة الأميركية في بغداد أبريل غلاسبي والرئيس العراقي، وقتذاك، صدّام حسين. ليس في محضر اللقاء بينهما، قبل أيّام من احتلال الكويت، خلافا لما حاول بعض العرب الجهلة الترويج له، أيّ ضوء أخضر أميركي أعطي لصدّام. كان هناك خلاف حدودي له طابع نفطي بين البلدين. دعت غلاسبي إلى تسويته في ما بينهما، مشيرة إلى أن لا رغبة أميركية في التدخل في خلافات بين بلدين عربيين جارين. كيف يمكن لشخص يتعاطى في السياسة فهم ذلك بطريقة توحي أن لا اعتراض أميركيا على احتلال الكويت. ذهبت السفيرة الأميركية في عطلتها السنوية.. وذهب صدّام حسين إلى الكويت!

بعد ستة عشر عاما على دخوله الكويت، أُعدم صدّام حسين أواخر العام 2006. لعب دوره في تغيير المنطقة والعراق نحو الأسوأ. كان في استطاعة الأميركيين التخلّص منه سريعا. كانت طريق بغداد مفتوحة أمام الجيش الأميركي في شباط – فبراير 1991 بعدما تحرّرت الكويت وعادت إلى أهلها. لكنّ الأميركيين فضلوا الانتظار كلّ هذا الوقت من أجل الانتقام. كانت لديهم رغبة في الانتقام من العراق. لم يصبروا كلّ هذا الوقت حبّا بصدّام حسين، بل رغبة منهم في تفتيت العراق بعد حصار طويل لعب دوره في هلهلة نسيج المجتمع وتمزيقه وفي إقامة نظام جديد في العراق.

يتبيّن أنّ هذا النظام الجديد الذي في أساسه وجود “أكثرية شيعية في العراق” وأن العراق “بلد فيدرالي”، ليس من النوع القابل للحياة. وضعت أسس النظام الجديد في مؤتمر للمعارضة انعقد في لندن في كانون الأوّل – ديسمبر 2002 برعاية أميركية – إيرانية. سيظهر قريبا هل سيتمكن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي لا ينتمي إلى الأحزاب المذهبية الموالية لإيران في مقدّمها “حزب الدعوة الإسلامية”، من إنقاذ ما يمكن إنقاذه من العراق ومن إظهار أن في الإمكان إعادة الحياة إلى النظام الذي أقامه الأميركيون في 2003.

يبقى أن الاحتلال العراقي للكويت كشف قبل كلّ شيء التماسك داخل العائلة الكويتية. لم يجد صدّام حسين كويتيا حقيقيا واحدا يقبل التعاون معه. أثبت أنّه لا يعرف شيئا عن الكويت الذي حوّله إلى محافظة عراقية. عرف الثلاثي المؤلّف من الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد والشيخ سعد العبدالله الذي كان وليّا للعهد ثم أميرا للدولة قبل وفاته، والأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد، أطال الله عمره، كيف تكون إدارة معركة استعادة الكويت.

الأكيد أنّه لولا وجود إرادة كويتية صلبة، من المواطن العادي وصولا إلى الأمير وكبار الأسرة وكلّ كويتية وكويتي، لما تحرّرت الكويت بالطريقة التي تحرّرت بها بدعم عربي ودولي.

لا يمكن في هذا المجال الاستهانة بالدور الذي لعبه الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز الذي استوعب سريعا معنى الاحتلال العراقي للكويت وأبعاده على الصعيد الإقليمي، فضلا عن خطورته على كلّ دولة من دول المنطقة.

المفارقة أنّ هناك من تعلّم من تجربة العراق في الكويت وهناك من رفض أن يتعلّم. لو عرف صدّام حسين أن يتعلّم لما كان انتهى تلك النهاية البشعة التي لا تليق برجل تصدّى باكرا للمشروع الإيراني في المنطقة.

في المقابل، عرف حافظ الأسد، الذي كان يحكم سوريا، كيف يستفيد إلى أبعد حدود من الخطأ القاتل لغريمه البعثي في العراق. جعل سوريا جزءا من التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة من أجل إلحاق هزيمة بالجيش العراقي في الكويت. كانت المشاركة السورية رمزية، لكنّ مردودها السياسي كان كبيرا، خصوصا في لبنان حيث كان ميشال عون بصفة كونه رئيسا لحكومة مؤقتة يديرها من قصر بعبدا، يراهن على انتصار لصدّام حسين.

بفضل المشاركة، إلى جانب القوات الأميركية في معركة تحرير الكويت، بسط حافظ الأسد سيطرته على كلّ لبنان. سمحت له المشاركة في تحرير الكويت بإخراج ميشال عون من قصر بعبدا.

مؤسف أن بشّار الأسد، الذي ورث سوريا عن والده، لم يتعلّم شيئا، لا من دهاء والده حافظ الأسد ولا من الغباء السياسي لصدّام حسين. لم يتعلّم شيئا أيضا من درس الكويت ومن أن هناك من هو مستعد للصبر عليه ما دامت مهمتّه تفتيت سوريا.. وهذا ما يحصل بالفعل.

متى تنتهي مهمّة بشّار الأسد الذي ارتكب بتغطيته، جريمة اغتيال رفيق الحريري قبل خمسة عشر عاما، جريمة في حجم جريمة احتلال صدّام حسين الكويت؟

ليست لائحة العقوبات الأميركية التي صدرت الأربعاء الماضي، وشملت حافظ بشّار الأسد، سوى دليل آخر على أن الضغوط على النظام السوري مستمرّة وأنّه لن يفلت من العقاب.

مثلما كانت لدى صدّام حسين مهمّة، يبدو أن لبشّار الأسد مهمّة عليه بدوره القيام بها. كلّ ما يمكن قوله مسكين العراق ومسكينة سوريا.. ومسكين لبنان الذي عليه أن يدفع فواتير مترتبة على تصرّفات رجل يرفض أن يتعلّم. لا يريد بشّار أن يتعلّم، ولو القليل، من تجربة والده، على الرغم من سيئاتها التي لا تحصى، ولا من تجربة مرّة مثل المغامرة المجنونة لصدّام حسين في الكويت. استعاد بشّار غباء صدّام ونسي دهاء والده.

*نقلاً عن "العرب"

أربعاء, 05/08/2020 - 15:36