تهم الفساد لن يخفيها حزب سريع الذوبان

المختار محمد يحيى

لطالما كانت الفكرة القومية فكرة ذات وجاهة، اعتنقها  سياسيون كبارا تنافسوا في تجسيد تمثلاتها كل حسب وجهة نظره، قبل التحول شيئا فشيئا إلى تيار فكري متشعب الرؤى، باحثة عن رمز تستند إليه في كل مرة، وهي في دوامة البحث عن رؤية موحدة جامعة، ولعل من ذلك حزب البعث القومي الذي تكالبت عليه الأمم والقوى الرأسمالية، طمعا في كنوز الثروات الطبيعية التي وقف حاضا عليها.

وباعتبار تلك الرؤى الفكرية إحدى أكبر الكتل السياسية والاجتماعية القومية في القرن العشرين، والتي جندت الفكر والسياسة والجيش لخدمة بقاءها، كان همها الشاغل هو بناء تلك القوة الهائلة لجعلها قادرة على التوسع على الأقل في حيز جغرافي يتحد في العرق والثقافة واللغة.

لكن وبعد انحسار خطاب القومية العربية، وبقاء عدد قليل من منابعه، تحولت الفكرة القومية لدى بعض حملتها غير المقتنعين من تجار المواقف، من فكرة مستساغة البلع إلى فكرة سريعة الذوبان، ذات وجود افتراضي، مقنن، ثم فيما بعد إلى هياكل حزبية جوفاء فارغة، قابلة للبيع لمن يدفع أكثر.

في تلك الإغفاءة التاريخية، التي بإمكانها بعث بعض قادة القومية من مراقدهم، كانت هياكل تلك الفكرة البائدة، أكبر فرصة للمطرودين من قبل المجتمع والشعب، والمتابعين قضائيا، فأضحى أصحاب الخطاب السياسي الفاشل ميدانيا والذي تلاحقه تهم الفساد ونهب الثروة، أبرز متصدري المزاد السياسي الفكري المقنن، لشرائها والاستثمار فيها بأموال الشعب، التي ليس لها مبرر شرعي ولا قانوني.

إن ثلة من السياسيين أصحاب الحجة البوار، لا يعون ماهية الفكر، ولا مصطلحات من قبيل الوحدة ولا الإشتراكية،  لم يكتفوا بالعمل مع نظام تحوم حوله تهم الفساد وإفقار الشعب، طيلة عقد من الزمن، والذي كان شغله الشاغل خلالها هو اللعب بمقدرات شعب، والإثراء دون سبب، بل انزوا أمام الملإ للدفاع عن المتهمين الرئيسيين، وهم يواجهون تهما بالضلوع في عمليات فساد كبيرة وهائلة طالت أصول الحوزة الترابية والمشاريع الكبرى.

إن الخطاب السياسي لفئة اتهمها المواطنون بأكل أرزاقهم، يعتبر خطابا خجولا لا يمتلك حجة ولا مسوغا لابتلاعه، بعد أن انكشف القناع عن نظام حمل شعار محاربة الفساد ودعم الفقراء، وحقق فيها نواب الشعب في قبة البرلمان، من خلال لجنة متخصصة مثلت جميع أطياف السياسة الوطنية موالاة ومعارضة، 

إن موريتانيا ليست مستعدة لسماع مزيد من الوقاحة السياسية بعد شيوع وذيوع ما يجعل كل المواطنين في مقدمة المطالبين بمحاكمة المفسدين الذين استباحوا كل الخطوط الحمر، فالكلمة الفصل الآن هي للمحققين وللقضاء الذي بدأ استدعاء الشخصيات المتهمة، كل ذلك بشكل مستقل ووفق المساطر القانونية المتعارف عليها، وبعيدا من أي ضغط وأي تدخل من السلطة التنفيذية.

وفي نفس الوقت تواصل البلاد العمل على برنامجها الثوري التنموي والنهضوي لإعادة الحقوق لأصحابها، والاستغلال الأمثل لثروات البلاد وتشغيل الشباب، من خلال حكومة كفاءات تجمع بين القدرات الفنية والخبرة السياسية، وفي جعبتها برنامج واضح هو ذات البرنامج الانتخابي "تعهداتي" الذي اختاره الشعب باعتباره كفيلا بتغيير وجه الواقع المرير الذي كانت عليه البلاد قبل تولى رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لدفة القيادة.

إن رئيس البلاد بشر بتغيير جذري أعطى هيبة للدولة، وساهم في تغيير الصورة النمطية للعلاقة بين القصر الرئاسي والشعب، مستعينا بمأسسة الحكومة وجعلها تخضع لبرامج ومشاريع خلاقة، تعمل على تطبيقها بكل الصلاحيات، كما أن الشفافية لعبت الدور الأبرز في اطلاع الشعب على السياسات العامة للدولة مما يجعلها وثيقة الصلة بتلك الجمهورية التي نريد.

إن ضمان الحق في الحرية والاحجام عن الافراط في ممارسة السلطة، مع مراعاة الحقوق وتطبيق القانون والنزوع إلى الشفافية، واحترام مبدء الفصل بين السلطات، يجعلنا لا محالة في سبيل واضح الملامح نحو بناء أخلاق سياسية فرضت جو الهدوء على مجمل الساحة السياسية الوطنية، وأعطت الاطمئنان لمختلف الفرقاء، وكان ذلك جليا في خطاب رئيس الجمهورية في مختلف المحطات، وتضمنه خطاب حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بكل وضوح وبلاغة.

وفي يوم سيكون قريبا، سينتصر فيه الشعب على أولئك الذين عبثوا بأحلامه وطموحاته، واستغلوا الشيب والشباب وعاثوا في الأرض فسادا، سوف يخلد جميع الموريتانيين ذكرى ميلاد الجمهورية تلك الدولة التي ينعم فيها جميع أبنائها بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتكفل لهم حريتهم في الاختلاف، متغلبة على جميع محطات التاريخ الماضية المحملة بالغبن والخلاف، وتضمن انسجام الجميع في بوتقة اللحمة الوطنية والتضافر الخلاق لبناء الوطن.

أربعاء, 12/08/2020 - 15:02