نظرات وعبرات | الطريق إلى الدولة الواحدة

محمود عبد الهادي

الطريق إلى الدولة الواحدة ليس وهما ولا محض خيال، وإنما هو الطريق الأقصر والأسهل والأقل كلفة للوصول إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية يقوم على سلام شعبي حقيقي في فلسطين والمنطقة العربية والعالم الإسلامي، غير قابل للانفجار في وجه أصحابه عند حدوث تحولات مستقبلية في موازين القوة في العالم لصالح العرب والمسلمين، أو داخل الأنظمة العربية التي تضطرها الظروف الداخلية والضغوط الأميركية إلى إبرام اتفاقيات سلام مصطنعة مع دولة الاحتلال الصهيوني، وإن أي جهود تُبذل في اتجاه الدولة الواحدة، مهما كانت قليلة، فإنها ستنمو بمرور الأيام والسنين وتصنع المستحيل.

هذا هو المقال الـ6 في سلسلة المقالات التي تناولت فيها مشروع الدولة الواحدة للقضية الفلسطينية، والتي أوضحت فيها عبثية الاستمرار في حل الدولتين بعد أن أصبح من سابع المستحيلات، واستعرضت الحصاد المر السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والنفسي الذي حصده الشعب الفلسطيني -وما زال- منذ أكثر من 70 عاما، ثم أشرت إلى حتمية الانتقال إلى حل الدولة الواحدة، واستعرضت الفرص المترتبة عليه والتحديات التي تواجهه فلسطينيا ويهوديا وعربيا ودوليا.

هذا المقال يتناول تصورات أولية للتحرك في طريق حل الدولة الواحدة، هذه التصورات مجرد أفكار إضافية لما سبق وتناوله العديد من المفكرين والكتاب، بهدف إثارة المزيد من التداول والحراك في الأوساط الفلسطينية على وجه الخصوص بشتى مستوياتها وتخصصاتها، آخذين بعين الاعتبار أن السير في هذا الطريق يمر بعدة مراحل، ويتوزع على عدة مجالات، وهو مسؤولية فلسطينية بالدرجة الأولى تفرضها مصلحة الشعب الفلسطيني، بغض النظر عن الموقف الحالي للشعب اليهودي ودولة الاحتلال الصهيوني والدول العربية والمجتمع الدولي، وبغض النظر عن الخوض في تفاصيل الحل التي مكانها طاولة المفاوضات.

 

إن تبني القيادة الفلسطينية لحل الدولة الواحدة يعدّ أقوى ورقة سياسية يمكن أن ترفعها في وجه دولة الاحتلال الصهيوني العنصرية وحكومتها المتعجرفة، وليس من مصلحة القيادة الفلسطينية التأخر في إعلان تبنيها لهذا الحل بعد إنهاء الانقسام، وإنجاز الاتفاق على مشروع وطني للتحرر من الاحتلال يقوم على تحقيق كافة الآمال والتطلعات الفلسطينية.

 

 أولا: المراحل الرئيسية للحل

فيما يلي تصور مبدئي للمراحل التي من المفترض أن يمر بها السير في طريق الدولة الواحدة، ونسوقها من باب عرض الأفكار، وليس من باب تقديم مقترح لخطة ذات مشروع سياسي محدد، فهذا العمل يحتاج إلى لجان متخصصة لها من الوقت والقدرات والمساحة ما لا تتسع له ظروف كتابة هذا المقال.

المرحلة الأولى: المصارحة

على القيادة الفلسطينية الاستعجال في مصارحة الشعب الفلسطيني بالعقبات التي تواجهها في مسيرة عملية السلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتوضيح أنها لا تستطيع الاستمرار في هذه المسيرة أكثر من ذلك، لما يترتب عليها من انتكاسات متكررة، ولما يتكبده الشعب الفلسطيني من تضحيات مستمرة.

المرحلة الثانية: المصالحة الوطنية

لا مفر أمام القيادة الفلسطينية من إبرام المصالحة الفلسطينية الشاملة بين السلطة الفلسطينية في رام الله ونظيرتها في غزة من جهة، وبين حركتي "فتح" و"حماس" من جهة ثانية، وبينهما وبين جميع القوى والفصائل الفلسطينية في الداخل والخارج من جهة ثالثة، مصالحة تتم تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، بعد تطوير نظامها الداخلي الخاص بالتمثيل، وانتخاب القيادة الفلسطينية التي تمثل جميع الفلسطينيين في الداخل والخارج، دون الحاجة إلى إجراء انتخابات لا معنى لها لشبه دولة ما زالت تحت الاحتلال.

المرحلة الثالثة: التوافق على مشروع تحرر وطني مشترك

قيام القيادة الفلسطينية الجديدة بإعداد مشروع تحرر وطني مشترك لجميع الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، بما في ذلك فلسطينيو 48، يقوم على تعليق العمل باتفاقية أوسلو، وإعلان فشل حل الدولتين، وتبني حل الدولة الواحدة، ومن ثم إقرار المشروع فلسطينيا ضمن النظام الجديد لمنظمة التحرير، ثم تعميمه ليتم تبنيه على كافة المستويات الفلسطينية في الداخل والخارج، وإعلانه رسميا من طرف واحد، على المستويين الإقليمي والدولي.

اعلان

المرحلة الرابعة: نشر حل الدولة الواحدة على المستوى الفلسطيني

التحرك المنظم على المستوى الفلسطيني في الداخل والخارج لنشر تفاصيل حل الدولة الواحدة وتوضيح مبرراته، وشرح أسباب فشل حل الدولتين وتعليق العمل باتفاقية أوسلو، وإقامة الفعاليات والبرامج لكل المستويات والشرائح المجتمعية، وتعبئتها لصالح الحل.

المرحلة الخامسة: التحرك العربي والإسلامي والدولي

تحرك القيادة الفلسطينية الجديدة على المستويات العربي والإسلامي والدولي، حكومات ومنظمات؛ لشرح الموقف الفلسطيني وتوضيح دواعيه، بهدف تحقيق ما يأتي:

1.  التأكيد على صدق التوجه الفلسطيني في المشروع.

2.  التأكيد على أن الفلسطينيين لن يعودوا مطلقا إلى حل الدولتين مهما بذل المجتمع الدولي من تعهدات، ومهما قدم الكيان الصهيوني من إغراءات وتنازلات.

3.  الزيادة التدريجية لتوسيع دائرة المؤيدين للحل.

المرحلة السادسة: التحرك على المستوى الشعبي عربيا وإسلاميا ودوليا

قيام القيادة الفلسطينية بتنظيم أنشطة وفعاليات على المستوى العربي والإسلامي والدولي تهدف إلى:

1.  شرح الموقف الفلسطيني ومبرراته ومنطلقاته السياسية والدينية، وتصوراته النهائية للحل، أسوة بما حدث في عدد من دول العالم.

2.  كسب تأييد الشعوب العربية والإسلامية والعالم ومنظماتها المدنية والحقوقية وكوادرها النخبوية للموقف الفلسطيني، ومطالبتها بالضغط على حكوماتها، لتأييد الموقف الفلسطيني ومطالبة دولة الاحتلال الصهيوني بالتجاوب مع الحل.

3.  تشكيل مجموعات مناصرة شعبية في كل دول العالم، تؤيد الموقف الفلسطيني، وتواصل الفعاليات الضاغطة على المجتمع الدولي للتجاوب مع الحل وتبنيه.

المرحلة السابعة: التحرك على المستوى اليهودي

قيام القيادة الفلسطينية بمد جسور التواصل مع المؤسسات والكوادر اليهودية المؤيدة لهذا الحل داخل دولة الاحتلال الصهيوني وخارجه، بهدف تحقيق ما يأتي:

1.  شرح الموقف الفلسطيني ومبرراته.

2.  تأكيد الموقف الفلسطيني بصورة قطعية نهائية غير قابلة للعودة.

3.  تطمين الشعب اليهودي بصدق توجه القيادة الفلسطينية في هذا الحل، ومن ورائها الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية.

4.  تحريك الأوساط اليهودية داخل دولة الاحتلال الصهيوني وخارجها لتبني الحل وتوسيع دائرة التعريف في الأوساط اليهودية.

5.  تشكيل لجان فلسطينية مشتركة تتحرك عربيا وإسلاميا ودوليا، تدعو إلى مناصرة الحل، والضغط على دولة الاحتلال الصهيوني للقبول بالحل، والدخول في مفاوضات جادة مع الطرف الفلسطيني حول التفاصيل.

 ثانيا: مجالات العمل

يقع هذا المشروع بصورة أساسية على كاهل القيادة الفلسطينية الجديدة القوية المتماسكة صاحبة الإرادة المسنودة من كافة قوى وشرائح الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج؛ لكنه بالتأكيد لا يقتصر عليها، فالشعب الفلسطيني على وجه الخصوص، بكل فئاته وشرائحه، يتحمل مسؤولية تاريخية كبيرة في تأييد هذا الحل ومناصرته، بالتوازي مع المراحل السابقة في عدة مجالات حيوية، من أبرزها:

1.  المجال السياسي

  •  توحيد الرؤية السياسية للحل لدى كافة القوى السياسية الفلسطينية في الداخل والخارج.
  •  إصدار بيانات تأييد وتبني من القوى السياسية الفلسطينية ومؤسساتها في الداخل والخارج.
  •  عقد لقاءات بين قيادات القوى السياسية وقواعدها؛ لشرح المشروع ودوافعه ومراحله والسيناريوهات المتوقعة له، وعرض للفرص التي يتيحها والتحديات التي يواجهها.
  •  تخصيص لجان من القوى السياسية تنشط في شرح الرؤية السياسية للحل لدى القواعد الحزبية وفي الفعاليات الحزبية الشعبية.
  • القيام بمسيرات ووقفات متواصلة داخلية وخارجية، في جميع دول العالم وبكل اللغات، تدعو إلى إسقاط حل الدولتين وتبني حل الدولة الواحدة.

2. المجال الديني

 

  •  تشكيل لجان شرعية من كبار العلماء الفلسطينيين المشهود لهم بالعلم والاستقلالية؛ لبحث الحل من شتى جوانبه وتقديم التأصيل الشرعي اللازم المستند على أحكام الشريعة الإسلامية في ضوء السياسة الشرعية والمصالح المرسلة وخصوصية القضية.
  • تكثيف تناول الموقف الشرعي من الحل في الخطب والدروس الدينية في المساجد والمنتديات والوسائل الإعلامية والمنصات الاجتماعية.

3.  المجال الفكري

  • إعداد أوراق عمل تتناول الأسس الفكرية التي يقوم عليها مشروع الحل للشعبين الفلسطيني واليهودي.
  • إقامة ندوات وورش عمل ومحاضرات ولقاءات على مستوى النخب التكنوقراطية والأكاديمية والطلابية والنقابية والمجتمعية، تتناول حل الدولة الواحدة ومفهومه، والعناصر الأساسية التي يقوم عليها ومبررات تبنيه، والمدة التي قد يحتاجها ليتحقق على أرض الواقع، وعرض الفرص التي يوفرها والتحديات التي يواجهها وكيفية التغلب عليها.
  • عقد مناظرات في ذات الإطار بين المؤيدين للحل والمعارضين له، وحصر الخلاف في المستوى الفكري كحق أصيل من حقوق حرية الرأي والتعبير، والحيلولة دون نشوء أي معارضة عنفية للحل.

4.  المجال الإعلامي

  • تقديم برامج مكثفة في شتى الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمطبوعة والرقمية حول الحل وأهميته وتوقيته والجهات المسؤولة عنه ومراحل العمل به والنتائج الإيجابية والسلبية المترتبة عليه، وغير ذلك من الجوانب الموضوعية.
  • إجراء استطلاعات رأي متتابعة لكافة شرائح المجتمع تظهر مؤشر الرأي العام تجاه مشروع الحل من جوانبه المتعددة.
  • تقديم إعلانات ترويجية وفواصل معلوماتية حول الحل.
  • إنتاج برامج وثائقية تتناول الحصاد المر للمعاناة التي تحملها الشعب الفلسطيني؛ بسبب حل الدولتين، والدوافع التي أدت إلى تبني حل الدولة الواحدة.
  • ملء منصات التواصل الاجتماعي بالحديث عن حل الدولة الواحدة، بشتى اللغات والأشكال الفنية.
  • زيادة مساحة الخطاب باللغة العبرية، الموجه للشعب اليهودي داخل دولة الاحتلال الصهيوني وخارجها، للمساهمة في إثارة الحل في منصاتهم الإعلامية المختلفة.

5.  المجال الفني

  • إنتاج أغانٍ وطنية تعبر عن الحل وتبنيه والمستقبل المنظور، وتعد بالدولة الواحدة وإنهاء عذابات الشعب الفلسطيني.
  • إنتاج مسلسلات درامية تتناول الحصاد المر وآثاره الاجتماعية والصحية والنفسية على الشعب الفلسطيني، والنفق المظلم الذي يسير فيه الشعب الفلسطيني وراء حل الدولتين، وتبشر بالخروج من النفق بتغيير المسار والانتقال إلى حل الدولة الواحدة.

ختاما.. إن تبني القيادة الفلسطينية لحل الدولة الواحدة يعدّ أقوى ورقة سياسية يمكن أن ترفعها في وجه دولة الاحتلال الصهيوني العنصرية وحكومته المتعجرفة، وليس من مصلحة القيادة الفلسطينية التأخر في إعلان تبنيها لهذا الحل بعد إنهاء الانقسام وإنجاز الاتفاق على مشروع وطني للتحرر من الاحتلال يقوم على تحقيق كافة الآمال والتطلعات الفلسطينية.

لقد حاولتُ في هذه المقالات الـ6 إعادة تشغيل المولّد والمواصلة في دفع العربة من جديد باتجاه حل الدولة الواحدة، والمطلوب من الأوساط النخبوية الفلسطينية خاصة والعربية عامة في شتى المجالات، أن تشد العزم لتصحيح مسار القضية في هذا الاتجاه دون يأس أو تعب أو ملل، والضغط على القيادات الفلسطينية لتبدأ هي الأخرى في تصحيح المسار، فقد تأخرت كثيرا.

الجزيرة نت

أربعاء, 30/09/2020 - 10:11