القضية الفلسطينية بين التجهيل والاستقطاب!

احمد الشهري

دُعيت من منصة ثقافية تهتم بالشأن الفلسطيني وتتخذ من الدنمارك مقراً لها لإلقاء محاضرة عبر تطبيق Zoom عن القضية الفلسطينية وكعادتنا نحن الشعب السعودي وكما تعلمناه من قياداتنا على مر السنين وما ورثناه من آبائنا من أيام (ادفع ريالاً تنقذ فلسطينياً) لا نرد لفلسطين طلباً، فقد لبيت الدعوة وجهزت ورقة بعنوان (بناء خطة استراتيجية سياسية ثقافية إعلامية فكرية لبناء موقف شعبي عربي لمقاومة الاحتلال وتوحيد الخطاب الفلسطيني) فصّلت فيها كيف يمكن بناء هذه الخطة الاستراتيجية سياسياً وثقافياً وإعلامياً وفكرياً بعيداً عن الاستقطابات الأيدولوجية الخارجية التي مزقت الخطاب الفلسطيني وشيطنته وجعلت منه سهماً مرتداً على صدر هذه القضية التي أصبحت تعاني من أهلها أكثر مما تعانيه من الاحتلال الغاصب!

فالمحتل عدواً اتضح هدفه وغايته وسياسته ومقاومته سهلة وواضحة! لكن من يُعتقد أنه من أصحاب القضية ومن يدافع عنها عندما يتم استقطابه وتوظيفه من قوميات وكيانات خارجية معادية للوطن العربي عامة وفلسطين آخر اهتماماته والكيان الصهيوني عدواً بالنهار صديقاً بالليل فإن هذا المُستقطب يصبح أشد خطراً على القضية الفلسطينية من المحتل نفسه لماذا؟! لأن المحتل عدو بان خطره وهذا المدعي زيفاً أنه يقاوم الاحتلال يصبح خنجراً مسموماً في قلب وطنه وشعبه وهو يعيش بينهم!!

وبعد أن أنهيت محاضرتي وقدمت ما أعتقد أنه خارطة طريق يمكن من خلالها تصويب المسار نحو الاتجاه الصحيح وإعادة توجيه البوصلة نحو الهدف المقصود مع بيان نقاط القوة التي يجب تعزيزها وتقويتها ونقاط الضعف التي تنخر في جسد القضية وما يجب حيالها من معالجة سريعة وعاجلة قبل أن تستفحل ويصعب علاجها وكذلك أبنت الفرص التي أُضيعت ثم حددت المهددات الخارجية والداخلية التي تحيط بهذه القضية من جميع الجوانب بعد هذا التفصيل تداخل بعض الإخوة الفلسطينيين وكأنما ينتظرون أن أفرغ من محاضرتي ليس لشكري على مساهمة متواضعة من مواطن عربي يحمل هم قضية عاشها منذ الطفولة وعاصر فصولها منذ الرجولة بل ليبدأ الهجوم الأعمى على دول الخليج وعلى السعودية بالذات متهمين إياها ليس فقط على أنها لم تقدم الدعم للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية بل لأنها تتآمر على القضية الفلسطينية وتسعى لتكريس الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية بل إن أحد المتداخلين أتهم موحد المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، أنه وقع وثيقة للتنازل عن فلسطين لصالح اليهود! أما الآخر فيزعم أن إيران هي من وقف مع الشعب الفلسطيني وأنها من يدعمه بالمال والسلاح والغذاء والدواء!!

الحقيقة أنا لم أستغرب مثل هذا الهجوم ولم يكن مفاجئاً لي فطالما سمعت منه الكثير في وسائل الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية.

وهنا السؤال الذي يفرض نفسه وهو ما الذي جعل هؤلاء الأشخاص يتبنون هذا المنهج وهذا الأسلوب عن قناعة؟.

والإجابة عليه من وجهة نظري تتلخص في سببين هامين وهي اجابة قد يتفرع منهما أسباب فرعية وهما:

الأول: إما أن الشعب الفلسطيني يتعرض لعمليات تجهيل من قيادته ومسئوليه وبالتالي لم يعرف ولم يرى ولم يلمس الدعم السعودي منذ عهد المؤسس رحمه الله إلى يومنا هذا والذي وقفت فيه السعودية مع هذه القضية بدماء أبناءها والشهداء على أرض فلسطين وبالدعم المادي الذي لم ينقطع يوماً من الأيام وبالدعم السياسي الذي تتبناه المملكة في جميع المحافل الدولية والمؤتمرات العربية والخليجية والإسلامية وجعلت منها القضية الأولى للسعودية وللعالم العربي والإسلامي مما جعلها حاضرة في قلب الضمير العالمي إلى اليوم.

الثاني: أو أن قوة الاستقطاب الخارجي كانت من القوة بحيث استطاعت أن تغسل عقول هذه الفئة القليلة إما لأهداف سياسية أو مالية أو فكرية، والدليل ما نراه في قطاع غزة من ولاء لنظام الملالي في طهران لدرجة وصف قاتل الشعب العراقي والسوري واللبناني واليمني الهالك قاسم سليماني بأنه شهيد القدس الذي لم يؤثر عنه وعن نظامه أنه قذف حجراً باتجاه إسرائيل بينما الصواريخ والسلاح والدمار يتجه للشعوب العربية فحسب.

وهناك استقطاب آخر وهو الاستقطاب الإخواني المدعوم من نظام أردوغان ومُغذّى بالمال القطري الذي يتدفق بأشكال متعددة ليس آخرها الحقائب التي تصل مطار بن غوريون ويحملها السفير القطري إلى حركة حماس لتواصل قمع الشعب الغزاوي وتزيد من رفع شعارات المقاومة المزيفة والثناء على نظام طهران وأردوغان والحمدين الذين جعلوا من قضية فلسطين سلعة للمتاجرة والمزايدة والابتزاز السياسي والاستقطاب الفكري المؤدلج.

هذا يدعوني للتأكيد على ما قدمت في محاضرتي من ضرورة أن يتم بناء استراتيجية جديدة يشارك فيها الشعب الفلسطيني كاملاً من الداخل ومن الخارج ولا يُقصى فيها أحد وتتاح لهذا الشعب اختيار من يقود كفاحه في المرحلة القادمة فلكل زمان دولة ورجال وأن تتم مراجعة كل الاتفاقيات التي أبرمت سابقاً مالها وما عليها ومراجعة الفرص الضائعة والتأسيس لبناء مشروع وطني لتقديم رؤى وحلول لهذه القضية التي ربما اختلط فيها الكفاح المشروع بالكسب غير المشروع وكثر فيها الاستقطاب الذي مزقها وأضعفها وأعطى المحتل المجال لتكريس هذا التمزق والتشظي.

أعلم يقيناً أن الشعب الفلسطيني فيه الكثير من الشرفاء وحافظي العهد والجميل والباقين على الوفاء لمن ناصرهم وساندهم ولا نشك أنهم كثر والحمد لله ولا يمكن أن تؤخذ الكثرة بفئة قليلة لا تمثله ولا يتشرف هذا الشعب المكافح أن تكون هذه الأصوات النشاز صادرة منه ، ولكن لا بد من هذه الاستراتيجية لإسكات أصوات الاستعداء التي يتفنن هؤلاء النشاز في نشرها وتسيء بلا شك للقضية الفلسطينية فخسر العمق الشعبي العربي وتستنبت الأعداء الجدد الذين كانوا بالأمس أصدقاء ومناصرين.

إن من لديه قضية وطن يسعى لتحريره يجب أن لا يكون له إلا عدواً واحداً فقط وهو من يحتل أرضه ويجب أن يكون العالم كله صديقاً ونصيراً له وهذا للأسف ما لا نشاهده اليوم فالخطابات الفلسطينية متعددة والمنصات الإعلامية متعددة وكل فصيل له صوته ورسالته التي يبعثها مما جعل القضية الفلسطينية اليوم في وضع لا تحسد عليه.

ما لم يتم تصويب المسار ويعاد توجيه البوصلة فإن عداد المكاسب سيتناقص وعداد الخسائر سيتزايد، وهذا ما لا يتمناه أي عربي ومسلم ومحب للسلام وداعم للقضية الفلسطينية.

نقلاعن إيلاف

جمعة, 23/10/2020 - 11:57