هنا كيهيدي.. وبالمشكل ذاته

عبد الله أتفغ المختار

مدينة جميلة لدى سُكانها على الأقل، يُفترضُ أنها على بعد 430 كيلومتر، جنوب شرق العاصمة نواكشوط ، لكنّ الإصلاحات التي يشهدُها طريق نواكشوط ألاكْ، جعلت الغالبية يتجهون جنوباً صوبَ روصو، ثمّ بوكي مما زادَ المسافة والمشقّة أيضاً، فطريق روصو – بوكي بدأ يترهل، أما طريق بوكي – كيهيدي فستتقطع أوصاله إن لم تتداركه العناية الحكومية..
تتزيّن المدينة كالعادة للضيف الكبير "مشهد مألوف منذ المختار ولد داده" يقول أحد السائقين، عند مفترق الطرق القريب من مبنى الولاية، وتقول بائعة حلويات باردة "أعرف أن الرئيس هو ولد العزواني، ما يهمني أنا وصديقاتي هو أن نبيع أكبر كم من بلبصتيك وعبوات بيصام البارد".
كيهيدي بخير، لكن ساكنتها تعتب على الصحافة، وتعتقد أنها لا تهتم إلا بمدن مثل روصو أو كيفة أو أطار " لا تأتي الصحافة هنا إلا عندما يأتي الرئيس، مثل الجواسيس تماماً" يقول أحد الناشطين السياسيين، ويُضيف " نحنُ مفروضون على متابعة الإعلام السنغالي، لا يُعالج مشاكلنا طبعاً، لكننا نسمع منه ما نفهمه على الأقل".
فيما يقول ناشط سياسي "بيظاني" إن الصحافة هي التي تخلق الأزمات دائما بين المكونات الاجتماعية لمدينة كيهيدي " نحن مجتمع واحد ..نتكلم الحسانية والبولارية والسونوكية.. ثم إنني أريدك أن تعلم أن أننا نحن البيظان نختلف أحياناً، وهم يختلفون أحياناً.. انتم أهل نواكشوط تعتقدون أن لكور أسرة واحدة .. هنا لكور وهنا السوانكه ولكل اهتماماته ومشاغله"..
ويضيف "مجموعات قليلة من الشبان العاطلين تقوم في المواسم الانتخابية بالتجمهر هنا بسبب الإحصاء، ثم تصنعون أنتم الصحافيين من الحبة قبة هناك في نواكشوط، فيبدأ الغلاة الشحن، وأحياناً يصل الأمر إلى الإضرار بالممتلكات، وبزعزعة السلم.. مشكل الإحصاء حسمته لجانٌ محلية من وجهاء لكور أنفسهم، تعرف الموريتاني من غير الموريتاني، وقد أعطى ولد الغزواني تعليماته لهذه اللجان بعدم تأخير الأوراق عن الموريتانيين، لكن الموريتانيين فقط."
كيهيدي، الباسمة على ضفاف نهر السنغال، تتمتع في محيطها الجغرافي بمساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة والأراضي الخصبة، منها ماهوّ مُستغلٌ ، وأغلبُها مُعطلٌ بسبب الخلاف حول الملكية، وعجز المجموعات التقليدية عن الاستثمار، ورفضها لأي حلٍ من شأنه أن يُحيي الأرض بعد موتها.. وبخلاف أراضي "ديري" ما تزالُ جميعُ أراضي "والو" تخضع لنظام تشغيل عائلي.
لا يختلفُ "لكور"و"البيظان" هنا في تقييمهم لعدم جدوائة الخطوة التي أقدم عليها رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد ولد عبد العزيز (صلاة الغائب) في مارس 2009 كمسعى لتسوية نهائية لما يعرف بملف الإرث الإنساني في موريتانيا، حيثُ يعبتر "لكور" إنها مجرد "مسرحية" فيما يرى "البيظان" أنها زادت الطين بلّة في أبعادها الحقوقية والسياسية وحتى العقارية، باسترضاء أطرافٍ لا تُمثلُ المتضررين من أحداث 89- 90 وكرست عبودية عقارية قائمة منذ أمدٍ بعيد بجملة من الامتيازات التي مُنحت للأعيان.
سياسياً تشكو مجموعات لكور في كيهيدي من تصدر وجوه بعينها للمشهد السياسي منذ نشأة المدينة، ويعتبرون حكومات نواكشوط متمالئة مع أسر بعينها (كانوا يطلقون عليها الزولو في فترة ولد الطايع) وكرد فعلٍ طبيعي يُصوتُ المتذمرون من هذا التهميش تلقائياً ضد مرشح الحزب الحاكم..وفي كل مرّة يأتي التفسير من تلك الأسر بأن سبب التذمر ليس سوى أحداث 89 ..
ربما لن تُثار هذه النقاط غداً في اجتماع ولد الغزواني بأطر الولاية .. وقطعاً لن يطرحوا عليه مشكلة تلاعب شركات الاتصال بالانترنت هنا في كيهيدي .. في هذه المدينة التي تنحدر منها جالياتٌ كبيرة ومهمة في أوروبا وإفريقيا، بالكاد يمكن فتح علبة البريد الاليكتروني، ومن شينقيتل فقط.

لي عودة للتعليم في مقاطعة امبود إن شاء الله، وإن كانت تغطية الانترنت  هناك أقوى من تغطية كيهيدي ولا أظن.

سبت, 14/11/2020 - 15:56