نحو فهم أعمق للصين (1 ـ 3)

سالم الكتبي

بجانب النتائج الإيجابية المثمرة التي نتجت عن الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ مؤخراً إلى دولة الامارات، فإن هذه الزيارة قد وفرت أيضاً فرصة كبيرة لفهم إماراتي وخليجية وعربي أعمق للصين، حيث كان الحوار متواصلا ومكثفاً ليس فقط داخل غرف المحادثات الرسمية المغلقة بين الجانبين، ولكن الحوار تواصل أيضاً على مدى نحو أسبوعين قبل الزيارة وبعدها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الاعلام التقليدية، وغير ذلك من أدوات حوارية شارك فيها باحثين صينيين استضافتهم عشرات القنوات المتلفزة في المنطقة والعالم، كما شارك أيضاً القادة بتغريداتهم ومقالاتهم التي نشرتها الصحف المحلية والدولية.

في خضم هذا التفاعل الحضاري الثريـ جذبني مقال الرئيس الصيني الذي استبق به زيارته للامارات، والذي تطرق فيه إلى أمور سياسية عدة منها أن البلدين الصديقين يُكمل بعضهما بعضاً في التنمية، وشريكان مهمان للتواصل والتنسيق في الشؤون الدولية والإقليمية، لما لديهما من رؤى تنموية متقاربة، وأهداف سياسية متطابقة، وروابط تعاون متنامية.

جذبني بالأساس عنوان المقال الذي يبدو انه اختير بعناية فائقة "يداً بيد.. نحو مستقبل أفضل" ما يعكس أحد اهم ركائز التحركات الصينية في العالم، وتجاه شركاء اقتصاديين واستراتيجيين مهمين مثل الامارات، فعبارة "يداً بيد" تعني معان عديدة أولها الندية في التعامل، فالعلاقات الندية بين الدول تقوم على الاحترام المتبادل ومراعاة كل طرف لمصالح واهداف الطرف الآخر، وهذا الأمر يعد أحد أهم سمات السياسة الخارجية الصينية، واعتقد أنه سيضمن لها مزيداً من التوسع والتمدد وبناء الشراكات القوية في العالم في غضون السنوات المقبلة.

هناك تركيز كبير أيضاً في مقال الرئيس الصيني على فكرة "المشاركة" والتشاركية، سواء بالنسبة لمصالح البلدين، أو في إطار أعم وأشمل يتعلق بالإسهام المشترك في تحقيق التنمية والرفاه والازدهار والانتعاش الاقتصادي العالمي.

بدا الرئيس الصيني في مقاله متفهم لطبيعة الشعب الاماراتي جيداً، حيث وصفه بأنه شعب محب للكفاح والابداع والحلم، وهذه باتت بالفعل خلاصات تجارب شعبنا طيلة المسيرة التنموية التي كشفت عن طموح الاماراتيين الذي لا تحده حدوده.

في قراءة تحليلية للمقال استطعت استخلاص نقاط عدة أولها الرئيس الصيني نفسه ينظر لزيارة الامارات بشكل استثنائي، فهو يركز في بداية مقاله على إنها "المحطة الأولى لجولتي الخارجية الأولى في هذا العام، وكذلك أول دولة عربية أزورها بعد إعادة انتخابي رئيساً للصين"، ما يعني أولوية العلاقات الاستراتيجية ضمن حسابات القيادة الصينية، ولا يجب أن ننسى هنا أن الرئيس الصيني قد تم انتخابه رئيساً مدى الحياة ليصبح زعيماً تاريخياً للصين شأنه شأن ماوتسي تونج وغيره من الزعماء التاريخيين، أي أنه يضع في اعتباره التخطيط لمستقبل هذه العلاقات من أجل تحقيق اهداف اجندته الرئاسية لمستقبل بلاده.

تميل الصيني دائماً إلى احترام الحضارات وإدراك العمق التاريخي للعلاقات مع الدول والشعوب، لذا كان الرئيس الصيني حريصاً في مقاله على الإشارة إلى علاقات التجارة القديمة بين الأجداد عبر طريق الحرير القديم، مشيراً إلى مفردات هذه العلاقة من الحرير والخزف الصيني إلى التوابل واللؤلؤ العربي، رابطاً بين الماضي والحاضر ومستمداً من وشائج الماضي ما ينسج به علاقات الحاضر والمستقبل ليضاعف قوتها ومتانتها ويمضي على درب الأجداد.

ثمة لمحة مهمة للغاية في مقال الرئيس الصيني، حيث تطرق إلى مساعدة الامارات لمقاطعة سيتشوان الصينية بمنحة قدرها 50 مليون دولار خلال زلزال عام 2008، وهذه الإشارة بالغة الأهمية والدلالة وتعني الكثير في حسابات القادة والسياسة، لأنها إشارة مهمة يريد الرئيس الصيني القول من خلالها أننا دولة تحفظ الجميل، وأن الصين تعرف مدى وفاء الامارات وتحرص على تعزيز جسور الصداقة والتعاون.

يمضي الرئيس الصيني في مقاله في بناء المشتركات، التي تعد سمة أساسية للفكر الصيني، حيث يقول "شهدت السنوات الـ34 الماضية تنمية سريعة، ومعجزة تنموية صنعها البلدان في طرفي المنطقة الأوروآسيوية، لقد أصبحت الصين محركاً مهماً لنمو الاقتصاد العالمي، فيما أصبحت الإمارات واحة التنمية في العالم العربي؛ كذلك كانت السنوات الـ34 الماضية شاهدة على جهود البلدين لاستكشاف الطرق التنموية التي تتماشى مع الظروف الوطنية، وخطواتهما المتسارعة نحو التحديث، مع الحفاظ على الاستقلالية، لقد أصبح البلدان صديقين مخلصين يكمّل بعضهما بعضاً في التنمية، وشريكين مهمين للتواصل والتنسيق في الشؤون الدولية والإقليمية، لما لديهما من الرؤى التنموية المتقاربة، والأهداف السياسية المتطابقة، وروابط التعاون المتنامية"

لو بحثنا في المقال بشكل تحليلي احصائي لوجدت أن أكثر كلمة ترددت هي الشراكة والتشاركية سواء بشكل مباشر أو عبر المعاني والدلالات الخاصة بلغة الخطاب السياسي الصيني، وهذا بحد ذاته إنما يعكس حرصاً عميقاً على التعاون والندية والصداقة القائمة على تحقيق مصالح الشعوب.

إيلاف

خميس, 26/07/2018 - 10:31