كورونا.. أصل الحكاية | سر اللقاح الغامض (1)

محمود عبد الهادي

أخيرا فازت شركات "كيورفاك" (CureVac)‏ و"فايزر" (Pfizer) و"مودرنا" (Moderna) في سباق لقاح فيروس كورونا، من بين عشرات الشركات المتسابقة على مستوى العالم، والتي أنتجت أكثر من 670 دواء مضادا للفيروس حتى تاريخ 12 نوفمبر/تشرين الثاني حسب موقع "ستاتيستا" (statista) المتخصص. وما إن أعلنت الشركات الثلاث في أوقات متقاربة، أن اللقاح الذي أنتجته لمقاومة فيروس كورونا أكمل كافة الاختبارات اللازمة.
وأن نسبة نجاحه في القضاء على الفيروس تصل إلى 95%، حتى انهالت طلبات شراء اللقاح بمليارات الدولارات؛ لتزيد من حجم إيرادات صناعة الأدوية حول العالم بمعدلات غير مسبوقة، بلغت عام 2019 حوالي 1.250 تريليون دولار. فلماذا هذه الشركات الثلاثة؟ ولماذا هذا اللقاح بالذات؟ وكيف استطاعت هذه الشركات الثلاث الوصول إلى لقاح ناجح ضد فيروس كورونا باستخدام تقنية "إم آر إن إيه" (mRNA) في فترة وجيزة، وهي التي فشلت منذ أكثر من 15 عاما في إنتاج لقاحات بدون آثار جانبية لأي من الأمراض المعدية وغير المعدية، وعلى رأسها الإيدز والسرطان والسل والملاريا والإنفلونزا؟ بل لم يثبت حتى الآن أن هذه التقنية قدمت لقاحا ناجحا لأي مرض على الإطلاق طيلة الفترة السابقة. فما الذي يحدث بالضبط؟

 

كيف استطاعت هذه الشركات الثلاث الوصول إلى لقاح ناجح ضد فيروس كورونا باستخدام تقنية "إم آر إن إيه" (mRNA) في فترة وجيزة، وهي التي فشلت منذ أكثر من 15 عاما في إنتاج لقاحات بدون آثار جانبية لأي من الأمراض المعدية وغير المعدية وعلى رأسها الإيدز والسرطان؟ بل لم يثبت حتى الآن أن هذه التقنية قدمت لقاحا ناجحا لأي مرض على الإطلاق طيلة الفترة السابقة.

 

هذا المقال لا يقدم تفسيرا تآمريا لما يحدث، ولا يقف موقفا معارضا أو مؤيدا للقاح أو لمن وراءه؛ ولكنه يحاول أن يتجاوز سطح الأحداث وعناوينها والتغطيات الهشة، التي تقدمها وسائل الإعلام التي سارعت إلى تسويق اللقاح، وذلك بغرض الغوص عميقا بحثا عن البدايات وتطوراتها، لمعرفة الجذور وفهم ما يدور.

ولنترك المعلومات تتحدث.

ابحث عن بيل غيتس
جميع الإجابات موجودة لدى الملياردير الأميركي بيل غيتس المؤسس الشريك في "مايكروسوفت" (Microsoft )، ثاني أغنى رجل في العالم، والرجل الأكثر نفوذا وتأثيرا في العالم، وهو أكبر المستثمرين في مجال اللقاحات على الإطلاق، وقد قدمت مؤسسته وزوجته "مؤسسة بيل وميليندا غيتس" أكثر من 60 مليار دولار من المساعدات في المجال الصحي والتعليمي على مدار 20 عاما.

وكما كان غيتس أول من تحدث عن الجائحة القادمة قبل 5 سنوات، فقد كان أول من قال إن العالم بعد كورونا ليس هو العالم بعد كورونا، وأن الحل سيكون في اللقاح، وأن العودة إلى حياة ما قبل كورونا تكون بعد أن يتناول العالم أجمع هذا اللقاح، وكان أول من تحدث عن قرب إنتاج اللقاح، وأنه بحلول نهاية العام سيكون هناك 100 مليون جرعة، وبنهاية عام 2021 سيتم إنتاج ملياري لقاح.

وكيف لا يكون كذلك، وهو يعرف بدقة وعن قرب واتصال وثيق بكافة التفاصيل خطوة تلو أخرى؟

منذ أواخر القرن الماضي، ومع انطلاق أهداف الألفية للتنمية عام 2000، انصرف اهتمام بيل غيتس إلى إنتاج اللقاحات، وأنشأ له مؤسسة "غافي" (GAVI) المتخصصة في التحصين وإنتاج اللقاحات، والتي سنفرد لها مقالا خاصا في وقت قريب إن شاء الله. ومنذ ذلك الوقت انصرف اهتمام بيل غيتس إلى البحث عن طرق جديدة مبتكرة لتطوير علاجات الأمراض مستفيدا في ذلك من خبرته في منهجية تطوير البرمجيات، ففي مارس/آذار 2003 قدمت مؤسسته 70 مليون دولار لجامعة واشنطن باعتبارها رائدة علم الجينوم في العالم، إضافة إلى 150 مليون دولار لبناء مقر خاص بهذه الأبحاث، وهو علم يستخدم تسلسل الحمض النووي البشري لتطوير عقاقير وأجسام مضادة.

وفي يونيو/حزيران 2005 خصصت المؤسسة 450 مليون دولار لصالح تطوير الأبحاث الرامية إلى إنشاء تقنيات صحية فعالة وغير مكلفة وسريعة التوزيع وسهلة الاستخدام في الدول النامية، وقام بالاستعانة بأكثر من ألف عالم من مختلف أنحاء العالم لرصد التحديات الكبرى، التي إذا تم التغلب عليها ستساعد في القضاء على الأمراض الفتاكة وعلاج مرضاها، وبلغ عدد هذه التحديات 43 تحد، من أبرزها: إنتاج لقاحات محسنة للأطفال لا تحتاج إلى تبريد أو إبر أو جرعات متعددة لتحسين التطعيم في الدول النامية. وقال غيتس وقتها سيتم العمل على إنتاج لقاحات يتم تشكيلها باستخدام تكنولوجيات قليلة التكلفة، ولا تكون بحاجة إلى حفظ في ثلاجات، وتعطى لمرة واحدة، عن طريق الفم أو بدون إبر.

وفي مارس/آذار 2008 أطلقت المؤسسة مشروعا طموحا باسم مواجهة التحديات الكبرى، وخصصت له دعما وقدره 100 مليون دولار، وحثت العلماء في جميع أنحاء العالم على تقديم أفكار جديدة لحل المشكلات الصحية الكبرى، ووعدت بدعم المبادرات المتميزة بمبلغ 100 ألف دولار قابلة للزيادة إلى مليون دولار في حال نجاحها.

في يناير/كانون الثاني 2010، وفي كلمته أمام المنتدى الاقتصادي العالمي، أعلن بيل غيتس أن العقد القادم هو عقد اللقاحات، وأن الإبداع سيجعل من الممكن إنقاذ المزيد من الأطفال أفضل من أي وقت مضى.

عودة إلى خطة تحويل العالم
كان عام 2015 عاما مختلفا بالنسبة لبيل غيتس، فهو العام الذي انطلقت فيه خطة الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة، تحت شعار "تحويل العالم" بحلول عام 2030، وهي الخطة التي عالجت الكثير من الإشكالات التي واجهتها خطة أهداف الألفية للأعوام الـ15 السابقة، وكما كان غيتس على اتصال وثيق بخطة أهداف الألفية على مدى الأعوام الـ15 السابقة، بمؤسساتها وخططها ومشروعاتها ومؤتمراتها وقراراتها وتمويلها، فقد كان من أكبر مهندسي أهداف التنمية المستدامة 2030.

رسالته السنوية للمؤسسة بمناسبة العام 2015، جاءت تحت عنوان "رهان كبير لعام 2030″، هذا الرهان يتمثل في إحداث اختراق في تحسين حياة الناس في الدول الفقيرة في السنوات الـ15 القادمة بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، اختراق تقوده الابتكارات في مجال التكنولوجيا واللقاحات الجديدة والمحاصيل الأفضل والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية الأرخص، وغير ذلك من التفاصيل التي ازدحمت بها خطة أهداف التنمية المستدامة لعام 2030.

وبهذا المناسبة، أطلق بيل غيتس مجموعة مبادرات إضافية تساعد على تسريع تنفيذ عملية تحويل العالم، وتعزيز دوره في قيادة هذه العملية، وعلى رأس هذه المبادرات:

مبادرة الهوية الرقمية المعروفة بـ"آي دي 2020″ (ID2020)، والتي تهدف إلى إيجاد حلول رقمية لعمل هوية موحدة لجميع البشر بحلول عام 2020. وقد بدأ العمل بهذه المبادرة منذ عام 2018 في المناطق الحدودية والمهمشة في الفلبين وأندونيسيا لاستكشاف التحديات والمشكلات الواقعية، التي تواجه مثل هذه المشروعات.
 مبادرة "المواطن العالمي" (Global Citizen)، "وهم العاملون من أجل تحسين حياة الفقراء ومحاربة أمراضهم وإنقاذهم من الموت" على حد قوله. وقد التحق بهذه المبادرة ملايين الأشخاص على مستوى العالم، ممن رغبوا في القيام بأدوار في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في بلدانهم.
حملة "حراس المرمى" (Goolkeepers) التي تهدف إلى تسريع التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة.
المواظبة على حملة استكشاف التحديات الكبرى التي انطلقت عام 2005. وتحت هذه المبادرة لم يبق على مستوى العالم مركز أبحاث علمية نشط أو عالم في أحد التخصصات العلمية إلا كانت له مساهمة فيها بشكل أو بآخر. إنها شبكة هائلة تم فيها إشراك الغالبية العظمى من المراكز العلمية والعلماء على مستوى العالم.وجميع هذه المبادرات تشارك فيها مستويات رسمية من قادة العالم والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والمهتمين. ودائما يتم التأكيد على:
1.  ضرورة قيام الدول الغنية بزيادة الدعم لتسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

2.ضرورة وجود إرادة سياسية لدى القادة لتنزيل القرارات في دولهم والوقوف على رأس عملية التغيير باتجاه تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.

3.  ضرورة الانخراط في التحول التكنولوجي في كافة المجالات.

4.  ضرورة قيام الدول بتقديم المعلومات الشاملة حتى يتم تحليلها والاستفادة منها في تسريع أهداف التنمية.

5.  ضرورة تعزيز الشفافية والحرية والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.

ورغم الآليات الكثيرة التي وضعتها الأمم المتحدة لضمان تحقيق التحول بحلول 2030؛ إلا أن حجم الاستجابة ما زال ضعيفا خاصة في دول العالم الثالث والدول الفقيرة والدول الأشد فقرا.

(يتبع…)

الجزيرة نت

سبت, 28/11/2020 - 14:53