من النصر القريب إلى الاستغاثة

عبد الستار قاسم

أوهمت القيادة السعودية نفسها كما أوهم حلفاؤها أنفسهم بنصر قريب في اليمن. صرح أقطاب الحرب على اليمن عام 2015 أ بأن اليمن لن تصمد طويلا وسرعان سيتحقق انتصار مؤزر وتستتب الأوضاع اليمنية وفق مصالح أصحاب الحرب ومصالح مشجعيهم من الدول الاستعمارية الغربية.
حلل أركان الحرب أن اليمن لا تملك المعدات القتالية التي تؤهلها لخوض حرب طويلة الأمد، وجنودها لا يملكون الفنون القتالية التي تمكنهم من المناورة والخداع، واتباع تكتيكات عسكرية تقلق المهاجمين. وقد غلب على تفكير المعتدين وَهَم بأن سلاح الجو السعودي سيكون قادرا على حسم المعركة  في أقصر وقت، وتهدأ الساحات، ويبقى هادي ومن معه في سدة الحكم.
السعودية هي ثالث دولة في العالم إنفاقا على شراء السلاح، هي تملك ترسانة قتالية متطورة جدا، لكنها لا تزدحم بالمقاتلين. هناك أسلحة ولا تتوفر الإرادات القتالية الكافية لاستعمالها بمهارة وكفاءة. لم تعهد السعودية ساحات القتال، وتجاربها الحربية تكاد تكون معدومة، كما أن شعبها ليس مستعدا للالتفاف حول قيادتها بسبب ما يخبرونه من استبداد واستعباد وتبديد للثروات. ومن يرغب منهم في التأييد يعيشون في رفاهية ونعيم ولا خبرة لهم بشظف العيش وقسوة الحياة. تتطلب الحرب إرادة قوية وقوة تحمل ومعاركة القسوة ومواجهة الموت. وهذه إرادة يتمتع بها أهل اليمن الفقراء. الفقراء أشد عزما، وأقوى شكيمة بسبب ظروف عيشهم الصعب ومعاركتهم للطبيعة القاسية وتدبير لقمة الخبز.
ولهذا لم يكن من الممكن للسلاح أن ينتصر على الإنسان. السلاح بحاجة إلى من يتقن استعماله ولديه الاستعداد لتقبل الموت في ميدان الوغى. لم يكن اليمنيون على دراية كبيرة بنوعيات الأسلحة التي تملكها السعودية، وخبرتهم بقيت في حيز الأسلحة التقليدية البسيطة التي كانوا يملكونها. وبالتأكيد فوجئ اليمنيون بتقنيات الأسلحة التي غنموها من السعوديين ومناصريهم من أهل اليمن. أهل اليمن ملكوا الإرادة القتالية وما يزالون، وكان من المتوقع أن ينتصر الإنسان على السلاح. ألم يكن للعرب تجربة في حرب تشرين/1973 عندما واجه الجندي العربي التقنية الغربية المتطورة التي كان الكيان الصهيوني يملكها؟ اجتاح الجنود العرب قناة السويس شديدة التحصين بيسر وسهولة واستسلمت لهم الدبابات الصهيونية المتطورة، وجنود الصهاينة الذين كانت تحميهم الملاجئ المحصنة جدا. وتمكنوا أيضا أن يهزموا كل التحصينات التي أحاطت بجبل الشيخ وأن يقفزوا على رؤوس الجنود الصهاينة الذين أخذوا يستنجدون بالنبي محمد عليه السلام لكي لا يقتلهم الجنود العرب.
دائما نسمع في أخبار الحرب عن الدعم الإيراني للحوثيين، وأن الإيرانيين هم الذين يديرون المعارك ويقدمون السلاح لليمنيين. لكن وسائل الإعلام المؤيدة للحرب على اليمن لا تأتي على ذكر الدعم الأمريكي والبريطاني والفرنسي والأوروبي عموما للحرب وتزويد أقطاب التحالف السعودي بالسلاح اللازم لتدمير مقدرات ومؤسسات اليمن، وقتل أهل اليمن وتدمير بيوتهم. المشكلة في هذا الإعلام تكمن في إيران، لكن أهل الغرب والذين بادروا إلى الحرب لا يمثلون أي مشكلة. إعلام أعمى ومضلل وقبيح وكاذب ويقول تبعا للتمويل الذي يحصل عليه.
لم يكن من المستغرب أن تستغيث السعودية بعد أن طور اليمنيون بمساعدة تقنية إيرانية أدوات قتالية يمكن أن تصبح رادعة. توجهت السعودية إلى الدول الاستعمارية وإلى مجلس الأمن لمواجهة الحوثيين. طور اليمنيون الصواريخ والتوجيه الإلكتروني، وأخذوا يردون على السعودية بضربات قاسية. ولهذا أسرعت بريطانيا إلى الاستجابة وأرسلت معداتها وجنودها سرا إلى السعودية للدفاع عن منشآت سعودية حيوية. كانت تعد السعودية بنصر قريب، وبعد سنوات من الحرب أخذت تستغيث، ويبدو أن أزمتها ستشتد.
كنا نتمى ألا تحصل حرب على الإطلاق بخاصة بين عرب، وكنا نتمى لو أن السعودية تصرفت بمسؤولية وأخلاق عربية. الذين يعتبرون أنفسهم قيادات وحملة لواء يتصرفون باتزان ووفق معايير احتضان الجميع وجمع كلمتهم. لكن المؤسف أن السعودية تبادر دائما إلى تنفيذ مهام تخدم الدول الاستعمارية والكيان الصهيونية من أجل المحافظة على النظام السياسي القبلي الفاسد بالتعريف. هم لن يتمكنوا من دحر اليمنيين، وسبق أن جربوا قتال الحوثيين في حروب سابقة.  لا شك أن الرعونة غلبت الحكمة، وأن التمادي في الرعونة ما زال عنوان قيادة صبيانية مدمرة.

إيلاف 

ثلاثاء, 01/12/2020 - 17:05