جنود مجندة

محمد طالب بوبكر

في هذه الأيام العصيبة يخوض العالم بأسره رحى معركة شرسة ضارية.. يصارع فيها عدوا لا يرحم.. عدو غادر مخادع يرانا ولا نراه... يصوب سهامه الغادرة صوب أجسادنا، فيصيب بها أحيانا قلوبنا، ويترك في جوفها جروحا نازفة قد لا تشفى بسهولة... والغريب أن هذا العدو يختار فريسته بعدالة مطلقة ودون أي تحيز أو تمييز؛ فهو لا يفرق بين كبير أو صغير، ولا بين عدو أو صديق، ولا بين سليم أو سقيم، ولا بين رئيس أو مرؤوس، ولا بين رجل أو امرأة، ولا يختار فريسته على أساس عرق أو دين. ويبدو أنه قد أعلن حربه على سكان العالم دون إستثناء، وكأن له ثأر مع سكان هذا العالم بأسرة.. ولا ندري ما هي أهدافه وما هي غايته من هذه الحرب المعلنة علينا جميعا...

... لقد نجح هذا العدو بتجنيد العديد من سكان العالم وضمهم الى صفوفه ليكونوا من أخطر جنوده علينا...فقد جند من ببننا العديد من الجهلة والمستهترين، ومن شعر أنهم لا يخشونه ولا يدركون مدى خطورته، ومن يتهمه بأنه يقود مؤامرة، وينفذ أوامر دولة معينه، ومن لا ضمير عنده ممن أصابهم بسهامه وقد نقلوا العدوى لغيرهم عمدا وعن قصد.!!! فأصبحوا جميعا يقاتلوننا الى جانبه، وهم أشد قساوة وفتكا بنا من هذا العدو...فهو يصيب واحد ويهم يصيبون العشرات من بيننا.!!!؟؟؟

....لقد استغل هذا العدو ضعفنا وعدم جاهزيتنا لمثل هذا النوع من الحروب، وباغتنا فجاة وعلى حين غرة... ويبدو أنه يعرف تماما أننا لا نملك أي سلاحا ندافع فيه عن انفسنا ضد اسلحته الفتاكه.. ويعي تماما أن اسلحتنا من طائرات ودبابات وصواريخ وقنابل نووية، واسلحة جرثومية وبيولوجيه.. جميعها  صنعت من قبل البشر لقتل البشر وليس لقتل غيرهم من بقية المخلوقات.... ويبدو أنه يدرك تماما أن كافة العلاجات والأدوية التي تملاء مخازننا وصيدلياتنا لن تضره بشي ابدا... لا بل ويسخر من علمائنا ومن أطبائنا ويستهزء بعقولنا وبقدراتنا.. وهو يسرح ويمرح كما يشاء ويدير معركته ضدنا بكل هدوء، ويوقع العديد من الضحايا من بيننا في ساحة المعركه، ولا نشاهد بأعيننا أياً من ضحاياه.

 ...لم يجد لغايه هذه اللحظه نِداً له من البشر،. فهو لا يغشى أحداً من سكان العالم أبداً...فقد فتك برؤساء أقوى دول العالم مستهزءا بهم وبتهديداتهم، وركع العديد من إمبراطوريات العالم وهزمها ونكل بها أشد تنكيل.

.... من هو هذا العدو الغريب الذي عجَّز العالم وزلزل الأرض من تحته؟، ماذا يريد منا؟ ماذا فعلنا له لكي يفتك بنا بهذه القساوة دون رحمة؟؟ لماذا يعتقد أننا نستحق كل هذه القسوة وهذا العقاب؟؟ لماذا لا يأبه ولا يكترث لأحزاننا وشدة آلامنا؟؟.   

...الويل كل الويل لنا أن كان هذا المقاتل هو جندي مجند من جنود لله عز وجل، الويل لنا إن كان الله قد غضب علينا وقد استحقينا هذا العقاب، فارسل الينا هذه الجنود المجندة، التي سيرت بأمره لتعاقبتا على شر أعمالنا.

....لقد عم الظلم في هذا العالم، وتحول الى عالماً يحتكم في إدارة شؤونه الى قانون شريعة الغاب يقتل فيه القوي الضعيف... عالم كثرت فيه الفتن وكثر القتل وسفكت فيه الدماء، وقست فيه القلوب، وعم فيه الظلم وانعدمت فيه الرحمة.. عالم تقتل فيه النفس ولا تدري بأي ذنب قتلت. عالم عم فيه الجوع والفقر والحرمان، وضاق بساكنه الى ان اصبح وكانه سجن كبير حواهم جميعا خلف قضبانه. عالم تلاشى فيه الدعاء حتى كاد لا يسمع في السماء... 

.....نعم لقد ظلمنا وتجبرنا وعصينا واخذتنا العزة بالإثم، وقد نسينا ان هناك خالق قد خلقنا لنعبده ونكون خلفائه في الأرض لنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر...ولم نخلق لكي نتجبر ونعصي ونظلم ونعتدي على الأرض والعرض، ونسفك الدماء ونقتل بعضنا البعض بلا رحمة...نعم لقد استحقينا سخط وعقاب هذا الخالق فسلط علينا هذه الجنود التي لا ترحم.. الويل لنا مما يخبئ لنا هذا الجندي وما يخطط له في غرفة عملياته...

...الآن الآن أدركنا معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يردده في دعائه جامعا لكل ما نمر به في هذه الأيام العصبية ( اللهم إنا نعوذ بك من قهر الرجال و من الجهل و الفقر .... اللهم ارفع عنا الوباء و البلاء ) وكأن الله سبحانه وتعالى اخبره بما سيأول اليه حالنا في آخر الزمان،.. ولم نفهم معنى الحديث الشريف إلا في هذه اللحظات التي يخوض فيها هذا العالم أكثر الحروب شراسة بتاريخه ضد عدو خفي مجهول لا يرى بالعين المجرده.... اللهم رحمتك ورضاك وعفوك، اللهم لا تحاسبنا بما فعل السفهاء منا.. ولا تجازينا بسوء اعمالنا.. اللهم أرفع عنا هذا الوباء وادفع عنا هذا البلاء بقوتك وقدرتك ومشيئنك يااارب العالمين.

ثلاثاء, 15/12/2020 - 09:35