تحديد سن الولوج للتعليم العالي: الأسباب الحقيقية

أحمد ولد المصطف

تابعت، ككل الموريتانيين، موضوع تحديد سن الولوج لمؤسسات التعليم العالي في بلدنا منذ العام الجامعي 2019 - 2020 و بداية العام الدراسي الحالي 2020 - 2021 ، كما تابعت المبررات التي سيقت و القرارات التي تم اتخاذها لحد الآن.
 إن أغلب دول العالم تسمح للحاصلين على شهادة الباكالوريا، مهما تكن سنهم، بمتابعة دراساتهم في مؤسسات التعليم العالي العمومي، و إن حدث عكس ذلك فهو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.
ففي السنغال يوجد طالب سبعيني في جامعة الشيخ أنتا جوب، و في فرنسا يقدمون منحا للطلاب حتى سن 27 سنة، و في ألمانيا يفتح التسجيل في كليات الطب لمن تجاوزوا سبعين سنة.
صحيح أن بعض الجامعات و المدارس و المعاهد في بعض البلدان قد تحدد سنا معينة للولوج إليها لاعتبارات متعددة، لكن تبقى مؤسسات جامعية أخرى مفتوحة لتسجيل الطلاب من مختلف الفئات العمرية.
كذلك يمكن لبعض الدول التي تقدم لنا منحا دراسية أن تشترط سنا محددة للطلاب الوافدين إليها، لكن ذلك لا يعني البتة أن هذه الدول تمنع مواطنيها الحاصلين على الباكالوريا من التسجيل في مؤسسات التعليم العالي فيها.
أتذكر عند ما كنت ادرس في جامعة باريس 3 - السوربون الجديدة في  الماستر 2 بحث سنة 2007 و بعد ذلك في الدكتوراه في سنوات 2009 - 2010 -2011 - 2012 أنه كان يدرس معي طلاب من مختلف الأعمار،  و أتذكر بشكل خاص انه كان من ضمنهم من تجاوز الستين سنة.
من المعروف ايضا ان التشريعات في دول العالم تكفل حق التعليم، بل تشجعه. ثم إن بلدنا، مهد مدرسة ظهور العيس (المحظرة)، و الذي له تقاليد عريقة في حب التعلم و مواجهة أقسى الظروف لتحقيق ذلك، لا يليق به أن يمنع طلاب العلم من تحقيق طموحاتهم المشروعة في الوصول إلى غاياتهم النبيلة.
 فمشكلة تحديد سن الولوج لمؤسسات تعليمنا العالي تخفي مشكلة أكبر و أخطر، ألا و هي الإخفاق في توسيع الطاقة الاستيعابية لهذا القطاع، نتيجة لانعدام إستراتيجية حقيقية للنهوض بهذا المرفق و تنويع عرضه التربوي و إعادة رسم الخريطة الجامعية له تمكن من استيعاب أفواج الناجحين من الباكالوريا الذين ينجحون مع ذلك بنسبة تعد الأدنى في الدول المجاورة، حيث كانت نسبتهم العام الدراسي 2019 -2020 في حدود 23 %، في حين كانت نسب النجاح في هذه الشهادة في نفس الفترة في السنغال حوالي 48 %، في مالي 46 %، في الجزائر 55 % و في المغرب 79%.
كما أن وجود حوالي 94 % من الطلاب في العاصمة نواكشوط لوحدها يؤكد الحاجة لرؤية حقيقية و استشرافية لتطوير منظومة تعليمنا العالي.
كذلك فإننا نعتبر في المؤخرة نسبة إلى الدول المجاورة بخصوص عدد الطلاب / مائة ألف ساكن، إذ تصل هذه النسبة عندنا حدود 600 طالب أو تزيد قليلا.
إن هذا العجز في القدرة الاستيعابية لمؤسسات تعليمنا العالي يجب أن يتم حله في اسرع وقت، لأن أي تأخير قد يؤدي إلى مضاعفة المشاكل و تعقيدها لدرجة قد يصعب التحكم فيها مستقبلا.

ثلاثاء, 22/12/2020 - 12:27