السعادة والخوف!

خالد الفاظل

قديما كنا نسترق النظر من نافذة صغيرة عند الجيران من أجل مشاهدة التلفاز وأقصى أمانينا أن نحظى بيوم يكون جهاز التحكم عن بعد في أيدينا طيلة النهار، منذ نهارين والتلفزيون قربي ولم أقم بتشغيله. أحيانا تكون فرحا بكشط بطاقة تزويد لتعبئة هاتفك ببعض "الميغابيتات" مع التوفير عند مشاهدة "الفيديوهات وتنزيل الصور"، الآن لدي "ويفي" مفتوحة وأجد أن تصفح الأنترنت الزاخر بالمعرفة والترفيه يخلو من الشغف وممل. العالم قلق الآن من فيروس كورونا ويتمنى رؤية اليوم الذي تخلو فيه الشوارع من الكمامات والمعقمات وإجراءات التباعد، لكن عندما يأتي ذلك اليوم، سيبقى القلق يتراكم في صدور البشر والخوف من المستقبل يتصاعد من كلماتهم الكئيبة مثل الدخان المتصاعد من غابة محترقة...
مرة سمعت بائعة تملك طاولة صغيرة تضع عليها بعض البسكويت والحلويات والنعناع وأشياء صغيرة أخرى لا تتجاوز مبلغا زهيدا، تقول إن أمنيتها هي الحصول على عشرين الف قديمة حتى توسع نشاطها وأنها ستكون سعيدة للغاية بذلك. بعد أعوام، أصبحت تبيع الخضار ولديها مداخيل أكثر، لكن محياها لم يعد بتلك التلقائية في توليد السعادة طيلة الوقت.
في مسلسل الزير سالم كان حلم ياقوت أن يزور الهند، لكن عندما عرض عليه أمرؤ القيس مرافقته إلى هناك شعر بالخوف من تحقيق حلمه، ماذا سيتبقى له عندما يزور الهند؟ كيف سيقضي بقية حياته ولم يعد مخياله متحمسا لبلوغ شيء ما! ففضل البقاء. نفس الشيء حدث مع جحدر، كان يحلم أن يكون قويا، لكنه عندما أصبح قويا اكتشف بأن القوة وحدها لا تكفي لجعله أكثر أبهة وعظمة في مضارب البكريين. هناك أشياء تتشكل مع الأقدار يصعب ترميمها لضيق الوقت الممنوح لنا في هذه الحياة، وإجهاد النفس في مكابدتها يخلق لذة التحدي فعلا، بيد أنه لا يخلق القدر الكافي من السعادة الحقيقية..
في موريتانيا لدينا الكثير من المشاكل التنموية العويصة والشكوى والتذمر، عندما نتغلب عليها ذات يوم. سنتوقف عن إنتاج الدراما المرحة والسطحية مثل "شيف وكوص" و "خويسر همو" لكننا سنتعمق أكثر في الدراما الحزينة المليئة بالدموع مثل الدراما الخليجية.
فيما يخص المتعة والرغبات، أعتقد أن السعادة لا توجد خارج النفس. ما لم تستخرج السعادة من نفسك فلن تجدها في الركض لتذوق ما تذوقه الآخرون من الرغبات. فيما يخص السعادة المتعلقة بالروحانيات والمجتمع، أعتقد بأن أكثر الناس سعادة، هم الذين لديهم أهداف محددة يسعون لتحقيقها وتخدم أكبر كم من البشر، أما الذين يسعون وحسب للسعادة الفردية فسينتهي بهم المطاف في دوامة من الاكتئاب. لا تبحث عن السعادة، ابحث فقط عما يجعل الناس من حولك سعيدة وستكون سعيدا. ولتفهم الحياة بشكل جيد تواضع "وارخي لحمك"، فالكون ضخم والعظمة لله وحده...
قديما كنت عندما أنام وحدي أخاف أكثر من الأشباح المتولدة في الظلام، كرجل أنفه بمنخار واحد يقع فوق عينيه المليئتين بالقذى وأسنانه بارزة ومفلجة يتصبب منها لعاب أحمر، وأظافره متسخة وتجاعيد وجهه مغطاة بالبثور المليئة بالقيح يرفع الغطاء عن وجهي في هزيع من الليل ويطلق صوتا حادا كمواء القطط، أو أن تسقط سحلية خشنة من السقف على وجهي وأنا نائم أحلم بمناظر تبدو حقيقية ويمكن لمسها، كان الخوف يتبدد بمجرد النوم أو بزوغ الشمس. أما اليوم، فأصبح الخوف يتكدس ولا يتبدد بسبب الإعلام، الذي يزرع الخوف من المستقبل في أنفسنا ويربط سعادتنا في إدخار السعادة لمستقبل مليئ بالقلق والخوف والمحن.. 
الخلاصة، لا تربط سعادتك بتحقيق حلم مؤقت ولا تخف من المستقبل والناس!
الصورة المرفقة التقطتها فجرا عندما توقفنا لصلاة الصبح وسط مشهد الشروق في صحراء فارغة من العمران وذات أفق مفتوح على السماء، مشهد من المشاهد التي تشحن الروح بطاقة هائلة من السكينة، كان ذلك أواخر 2017 في الطريق إلى تيشيت.. 
 الساعة 23:48 وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

خميس, 24/12/2020 - 16:27