ثلاثة أسباب لظهور الآنسة ايلين ...

علاء الأسواني

هل تعرفون الآنسة ايلين ايرسون؟

غالبا لا تعرفونها لأن الاعلام المصري التابع للمخابرات لم يذكر عنها شيئا وانما ينصب اهتمامه على أخبار لاعبي كرة القدم وغراميات نجوم السينما والغناء والأهم من ذلك الانجازات الجبارة الفريدة من نوعها التي يحققها السيسي الرئيس العبقري..

ايلين ايرسون فتاة سويدية في العشرينيات تدرس الخدمة الاجتماعية في جامعة غوثينبرغ وقد تطوعت لمساعدة اللاجئين الذين تدفقوا على السويد هربا من مناطق الحروب. ان موضوع اللاجئين يثير خلافا بين السويديين. المدافعون عن حقوق الانسان يعتبرون ايواء اللاجئين واجبا انسانيا والتزاما يفرضه القانون الدولي، لكن تعاقب الأعمال الإرهابية التي تقتل الغربيين باسم الاسلام ساعد الأحزاب اليمينية على اقناع السويديين باغلاق الأبواب أمام اللاجئين. بدأت حكومة السويد تتبع سياسة الترحيل القسري لطالبي اللجوء بعد رفض طلباتهم. اعترض نشطاء حقوق الانسان لكن الحكومة السويدية لم تعبأ باعتراضهم واستمرت في ترحيل اللاجئين قسريا.

علم النشطاء أن لاجئا افغانيا يبلغ من العمر 52 عاما سيتم ترحيلة قسريا من غوثينبرغ إلى تركيا ومنها إلى أفغانستان. عندئذ اشترت ايلين ايرسون تذكرة على الطائرة وركبت فيها وعندما طلب قائد الطائرة من المسافرين الجلوس في أماكنهم وربط الأحزمة استعداد للاقلاع فتحت ايلين تليفونها المحمول في بث مباشر على فيسبوك وأعلنت انها لن تجلس الا بعد أن يتم انزال اللاجئ الأفغاني الذى سيتم ترحيله قسرا. كان يستحيل على قائد الطائرة الاقلاع قبل أن تجلس ايلين وانقسم الركاب بين مؤيدين ومعارضين لموقفها. انفعل راكب ذو لكنة انجليزية على ايلين وحاول أن ينتزع تليفونها المحمول لكنها منعته وصاحت فيه.

ـ أيهما أهم لديك انقاذ حياة انسان أم تأخر طائرتك؟!. أنا هنا لأنقذ حياة انسان سيتم ترحيله قسرا إلى افغانستان حيث سيتم قتله هناك. 

 أعلنت سلطات المطار أنها لن تستعمل العنف لاجبار ايلين على الجلوس وبعد قليل قررت السلطات انزال اللاجئ الأفغاني من على متن الطائرة. قابل الركاب القرار بالتصفيق بينما بكت ايلين تأثرا وقالت:

- أنا سعيدة لأننى قمت بواجبي الانساني.

تحولت ايلين إلى بطلة على وسائل التواصل الاجتماعي لكن أعضاء الأحزاب اليمينية غضبوا وهم يستعدون الآن لتحريك دعوى قضائية ضد ايلين بتهمة تعطيل الطائرة وعقوبتها غرامة كبيرة أو السجن لمدة قد تصل إلى ستة أشهر. أثق في أن ايلين ستواجه محاكمتها بشجاعة وستستغلها للدفاع عن قضية اللاجئين. إن ما فعلته ايلين عظيم ومصدر العظمة ليس فقط شجاعتها ولا وعيها السياسي إنما مدى التزامها الانساني. إن الناس عادة ما يدافعون عن حقوق الذين يشتركون معهم في الدين أو الجنسية أما أن تدافع فتاة سويدية مسيحية عن رجل مسلم أفغاني لا تعرفه وتتحدى قوانين الهجرة في بلدها من أجل انقاذ حياته فهذه شجاعة نبيلة استثنائية. إن الانتماء للانسانية الذي تمثله ايلين أعلى أنواع الانتماء لأنه يدافع عن حقوق الانسان لمجرد انه انسان بغض النظر عن دينه وجنسه. لماذا ظهرت فتاة مثل ايلين في السويد ونادرا ما يظهر مثلها في مصر. هناك ثلاثة أسباب لظهور ايلين: 

أولا: سيادة القانون                                                      

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ                                                  

السويد دولة ديمقراطية يطبق فيها القانون على الجميع بدءا من رئيس الدولة وحتى أبسط مواطن. حقوق الانسان محفوظة هناك فلن يتم اعتقال ايلين ولن يتم ضربها وتعذيبها بالكهرباء في أمن الدولة ولن يتم تلفيق التهم إليها لأن القضاء السويدي ليس شامخا وإنما قضاء مستقل فعلا وبالتالي فان ايلين عندما اتخذت هذا الموقف في الطائرة كانت تعلم أنها في حماية القانون.

ثانيا: الحريات العامة                                                 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ                                                 

الاعلام في السويد ليس تابعا للمخابرات كما هو في الحال في مصر لكنه إعلام حر مستقل وظيفته أن ينقل وجهات النظر المختلفة حتى يشكل المواطنون وجهات نظرهم عن معرفة حقيقية، كما أن التظاهر وعقد الاجتماعات ومخاطبة الجماهير حريات أساسية يحميها القانون السويدي فلن يلقى أحد ايلين في السجن لسنوات لأنها اشتركت في مظاهرة كما أن البرلمان السويدي منتخب بنزاهة وهو يعبر عن ارادة الشعب فعلا ووظيفته محاسبة الحكومة بجد وليس مثل البرلمان المصري الذى تم تشكيله في مكاتب المخابرات لتكون وظيفته الأساسية الموافقة على قرارات الرئيس وتهنئته بالأعياد.                                                                    

ثالثا: مدنية الدولة:                                                 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ                                                    

السويد دولة مدنية الحكم فيها ليس دينيا ولا عسكريا وهي تحترم أديان المواطنين جميعا وبالتالي فقد نشأت ايلين على أن البشر كلهم اخوة لها في الانسانية وكل معتقداتهم الدينية يجب أن تحظى بنفس الاحترام. لو أن ايلين نشأت في مصر أو بلد عربي لسمعت خطباء الجمعة يدعون بالشفاء لمرضى للمسلمين فقط ويعتبرون غير المسلمين كفارا لا يجوز أبدا مساواتهم مع المسلمين. كانت ايلين ستسمع قطعا دروسا عن مبدأ "الولاء والبراء" الذى يفرض على المسلم موالاة المسلمين فقط ويفرض عليه كراهية غير المسلمين ويمنعه من موالاتهم والا أصبح مثلهم عند الله، وكانت ايلين ستتعلم أيضا انه لن تقوم القيامة حتى ينتصر المسلمون على اليهود ويقتلونهم جميعا لدرجة ان الحجر سينطق ويقول: "يامسلم هناك يهودي اختبأ ورائي ..اقتله". هذه الأفكار التي تتردد كل يوم في مجتمعاتنا تمنع تكوين شخصية متسامحة ونبيلة مثل ايلين لأننا كثيرا ما نتعلم الدين في سياق الكراهية وليس في سياق المحبة الانسانية.   

إن ايلين أفضل نموذج انساني تقدمه الديمقراطية بينما المنافقون والجبناء والمتعصبون هم النتاج الطبيعي للأنظمة الفاشية العربية العسكرية أو الدينية. 

الديمقراطية هي الحل 

 DW.

أربعاء, 01/08/2018 - 10:27