هل هذا هو الحب؟ (قصة قصيرة)

Cheikh Nouh

في لحظة حصل أمر غريب يشبه المعجزة. بينما هو ينظر إلى هاتفه غاطسا في مياه الأضواء الزرقاء، مسحوبا بفعل الدهشة من الواقع، إذا باسم غريب يتتبع منشوراته الواحد تلو الآخر، ويصبغها بلايك مؤنث بلون سماء حالمة. 

على الفور توفق عن التصفح، وطفق يهرول على سجادة من اللايكات المتعانقة والموقعة برفق كما خّيل إليه. أسرع في اقتفاء الأثر، وفجأة أنعشه حدس ما بأنه يطارد شيئا ضاع منه، وإلا فما تفسير هذا اللهاث خلف سرب من الإعجابات الموقعة بالإصبع نفسها؟..

غمز نور ما لزاوية في الذاكرة، فلاح له الوجه الغامض الذي ألفاه في الانتظار، وسط صف من طلبات الصداقة. تنفس بشره، وقبل الطلب عدة مرات!

هذه الفتاة المهووسة بالكلام غير التقليدي وبالنغم، والتي تكره المجاملات بشدة. حبها المجنون والعميق للموسيقى نمط حياة أكثر منه غمرة شغف، فما تملكه ليس قلبا في الحقيقة وفي المجاز أيضا وإنما منجم ينبض بالموسيقى. ما يجري في شرايينها بسرية ليس دما ولا ماء ولا حتى خمرا، إنه مادة عذبة ولطيفة "لا تحتمل خفتها" اسمها الإيقاع. كانت عازفة بأصابع القلب، ولم تكن القيثارة سوى تشكيل مجسد لروحها.

عندما التقيا رذَ بينهما الحديث تماما مثل المطر خجولا، ثم مثل المطر زخات متفاقمة، ثم اندلق مثل المطر تماما، ليغمرهما في شبكة من العواطف الغريبة والملتبسة والخائفة في نفس الوقت. لم يستطيعا أن يسمياها صداقة قلبية، ولم يتجرآ على أن يصفا شعورهما المتعاظم ذاك بالعشق ولا الحب ولا حتى بالإعجاب. كان شعورا مسكوتا عنه فحسب. يترعرع ويكبر مثل شرارة النار، وهما يحاولان لجمه. ويا لسذاجتهما وهما يستميتان بيأس في تطويق الحريق المتفشي في ملامحهما!

تواطآ في التغاضي عن تحديد ما ينمو بينهما، بالأحرى ما ينمو داخلهما، أو ما يجمع قلبيهما وروحيهما، وعن هذه الحمى المشتركة التي تسلخ جسديهما، واقترح عليها أن يدبرا خرجة ما.

كان سعيدا بذلك مثل نسيم يداعب ريشة عندما أعطته زمام المبادرة، ولكنه لم يشأ الاستبداد بالسلطة التي منحته. حاول إشراكها في التخطيط، مستجيبا لما يملي عليه نبضه. كان بحاجة أن تشاركه في كل شيء، وأن يلتذ ببصمتها فيما سيفعلانه معا..
علق بذهنه قولاها:
-أكره الذكريات!
-أحب رائحتك..
تساءل في نفسه، كيف تهرب من الذكريات إذا كانت حقا تدوخها الرائحة؟..

ارتعش في داخله صوت يشبه الغبار قائلا: إلى أين ستصل مع هذه الفتاة يا ترى؟.. 

لقد أحس كأن اثنتا عشرة بيضة فقست نفسها بالتزامن في قلبه، فخرجت منها كتاكيت صغيرة ولزجة. "هل هذا هو الحب"؟ قال في نفسه.
.
.
لوحة للرسام الهولندي يان فيرمير دلفت بعنوان “امرأة شابة مع الغيتار”

سبت, 16/01/2021 - 12:17