البترول..!

Cheikh Nouh

حالة وجدانية عُليا تستوطن كياني. مشطور بين الماضي المصفى والمغربل بغربال الزمن، وبين الغربة التي سأحس بها ذات يوم بعيدا عن حفنة الأرض هذه أو تحتها؛ لست أدري. شعور استباقي رهيب يشبه من يحاول جاهدا وهو يمطط أنفه، ويجمع كل حواسه في خياشيمه، توقا إلى شم رائحة المستقبل. رائحة المستقبل المختلط برائحة البارود الكبريتية؛ تلك الرائحة التي جربتها، وظلت مقيمة في أنفي منذ ربع قرن؛ عندما ألقوا بنا في وجه قذائف الهاون، وانفجارات القنابل، ولعلعلة الرصاص المنطلق كأسراب من العصافير المشؤومة من فوهات بنادق الكلاشنكوف العراقية المستعملة وبنادق ال36 والموزير و14/15. هذا الأنف الذي ما زالت تترعرع فيه روائح عوادم سيارات الجيش العسكرية ذات الإطارات المسننة والضخمة.

مراهَقة ممزقة بين الأحلام المستحيلة بوطن رحيم وبين أرض طاردة تنفيذا لأوهام الوطنية والعودة إلى الجذور. أية جذور يا رب؟!

حالة وجدانية لا مناص من الغطس فيها. الغطس في اقتراحاتها المجنونة وأنا الذي اعتقدت أن الجنون من نصيب المحظوظين والعباقرة فقط!

حالة بيضاوية وهلامية الشكل، سباعية الجهات، مختومة بشهيق الريح ودوارات البحر وأغاني الصيادين اليائسين وهم يعودون مثقلي الكواهل بشباكهم الفارغة وبلحظة متضخمة من الخيبة والهزيمة.

حالة شفافة، لدرجة أنها تكاد تضاهي العدم الأنيق. حالة لا مقبوض عليها إلا عبر التشبيهات والاستعارات والتمثلات والأمثلة وكل الاستراتيجيات اللغوية الموازية التي توحي ولا تقول. تومض ولا تضيء. تتحد في انفصال تام، وتنفصل في اتحاد كامل كأنها الرقص والجسد.. الله والإيمان. الدماغ و الفكرة.
تهيمن علي حالة من عويل الزوابع ومواء الذكريات المتشابكة، تكاد تحول روحي إلى دوامة أو إلى مجرة من القطط الرعناء المتحفزة للعراك. امتزاج الطبل بالإيقاع. الماء المسلوخ من جلد الغيم. وجه الهندي الأحمر المدبوغ بالشمس وتاريخ القهر وخزعبلات الحضارة الدموية. ما هذه الصور المتواردة على مخيلتي؟!.

وحيدا أحسني كعلامة استفهام.. يستفرد بي جيش من نمل الماضي الضاري، يأكل دماغي على مهل. تتكاثر كائنات مجهرية بنفسجية في خلايا دمي، تهيج كل الشفرات المخبأة في تاريخ الجينوم خاصتي منذ ملايين السنين!

هناك نهر يشتعل في عروقي. نعم هناك حدس رياضياتي بأنه لن ينطفئ نهر البترول هذا.

الأبجدية في يدي حفنة من رمال، والخيالات في ذهني احتمالات كاذبة، وأنا أتشظى على حد السكين والغموض المذاب في صمتك الخطير.. كم أنت رهيبة يا..؟!

هل كل هذا، فقط لأني تعثرت بك؟.. 
من أعطاك حق إضرام الحرائق ثم ترك الضحايا نهبا للقلق واللهب أيتها الوقت؟!
أم أنها عادتك القديمة؟..

سبت, 06/03/2021 - 13:02