القاصرات في السن والقاصرون في الفهم والانتقاد

أحمد سالم ولد عابدين

في علم الانثروبولوجيا المقارن لا توجد إلا النسبية الثقافية فيما يتعلق بالتحديدات العمرية (باستثناء حالات قليلة جدا).. يعني ذلك أن سن النضج كان قبل سيادة النموذج الثقافي الغربي يخضع لعوامل الزمكان (يختلف باختلاف خطوط الطول والعرض).

هناك اختلاف، يكون أحيانا صارخا، بين النضج القانوني و النضج البيولوجي.

يمكننا أن نُعرّف “النضج” بيولوجيا بقدرة الفرد (ذكرا أو أنثى) على إنتاج أفراد جدد من نفس النوع.. أما النضج القانوني فهو فكرة تاريخانية، يعني ذلك أنه لم يتحدد دائما بثمانية عشر سنة في تاريخ الثقافات ولا حتى في تاريخ نفس الثقافة مع تعاقب أجيالها، ولم يتحدد في كل الأماكن بذلك النصاب العمري..

تزوجت فتاة قبل بلوغها سن الثمانية عشر بيوم واحد، هل يعتبر ذلك منطقيا اعتداء أخلاقي أو قانوني على قاصر؟ كيف ستكون السلطة التقديرية للقاضي في مثل هذا النوع من الحالات؟!

سذاجة بعض القوانين التي تستنسخ غيرها (ومنها قانون دولتنا في الكثير من الحالات) تكمن في أنها لا تراعي الخصوصية الثقافية ولا البيئية التي تؤثر في سرعة نضج الأفراد بيولوجيا وعقليا..

لماذا ثمانية عشر سنة بالتحديد؟ نعرف هنا أمرين:

الأول أن غالبية الدول التي كانت سباقة إلى الأخذ بهكذا سنين كبداية للنضج القانوني إنما فعلت ذلك ليس دائما عن مشاهدات تجريبية تثبت أن هذه السن في العادة هي بداية النضج، وإنما في أحايين كثيرة بسبب أن مقولة الثماني عشر هي من المقولات التي ظهرت ابتداء عند الفلاسفة (لم يتدخل العلم البيولوجي في ذلك) وتم الأخذ بها حيث أصبحت من التراث الفكري الحي في واقع تلك الثقافات لكنه لا يرتكز إلى ركن شديد من الناحية الواقعية العلمية..

الأمر الثاني: احتياطا في الشريعة الإسلامية (على الأقل بالنسبة للفقه المالكي الذي نتبع في موريتانيا) فإن ثمانية عشر سنة هي الحد الأقصى للبلوغ عندما لا تظهر أمارات البلوغ (الصفات الجنسية الأساسية أو الثانوية بلغة البيولوجيا) الفسيولوجية على الشخص.

هناك حقيقة واحدة و ثلاثة احتمالات تستغرق الفتاة إبان مراهقتها وقبل بلوغ سن النضج القانوني: الحقيقة الواحدة الوحيدة هي أن الفتاة تعتريها الشهوة الغريزية الجنسية طبيعيا وثقافيا وعولميا (طبيعيا بسبب التغيرات الهرمونية، ثقافيا بسبب تعليمات الثقافة والممارسات الاجتماعية التي تسهم في إبراز الطبيعي بدل محاولة كبته، عولميا بسبب هجوم الصورة ابتداء من التلفاز وانتهاء بوسائل التواصل الاجتماعي – العاطفي – الجنسي)..

أما الاحتمالات الثلاثة فهـي: إما تربية صالحة للبنت تعتمد على الفهم والتفهم والمراقبة (مراقبة الأهل لها ومراقبتها هي لنفسها.. المراقبة كمصطلح صوفي لها دلالتها الخاصة هنا) والتسامي إلى أن تبلغ سن النضج والزواج..

التسامي بلغة التحليل النفسي الفرويدي يعني نقل طاقة اللبيدو الجنسية إلى مواضيع غير جنسية. عادة ما ينجح الفرد في هذه الحالة ويتميز في الموضوع الذي يوجه نحوه اللبيدو كالرسم مثلا أو الغناء أو غيرها من المهارات.. الخ.

الاحتمال الثاني: هو أن تجد البنت في هذه المرحلة العمرية وسيلة لتصريف غريزتها الجنسية خارج المؤسسات الاجتماعية الأخلاقية الدينية (مؤسسة الزواج مثلا) مما ينتج عنه انحراف الفتاة نحو عوالم الرذيلة والانحلال الأخلاقي على الأقل لدى الثقافات التي تعطي اعتبارا مهما للعفة وتمقت التفسخ الأخلاقي الجنسي.. الدين الإسلامي يمنع منعا باتا مثل هذا الاحتمال..

الاحتمال الثالث: أن يتم تزويجها وهي قاصر.. هذا الاحتمال الأخير يكون سيئا جدا (من وجهة نظري الشخصية) إذا كانت البنت قاصرا من الناحية البيولوجية والثقافية والعقلية، ويكون مذموما أخلاقيا (يتعلق الأمر هنا بنسبية تاريخانية) إذا كانت البنت في بداية تلمس نضجها (العقلي أو البيولوجي)، ويكون هذا الاحتمال مرغوبا إذا كانت في قمة نضجها البيولوجي الاجتماعي النفسي حتى وإن كانت قاصرا من الناحية القانونية.

اثنين, 20/08/2018 - 20:29