ترامب وعصا البقاء السحرية

نادية عصام حرحش

كم تبدو المصادفة عندما نسمع عن احتمال حقيقي لعزل ترامب من الرئاسة بسبب فضيحة فساد سابقة ، ولن يكون من الغريب ان نسمع عن الجديد منها. فتبدأ التحليلات، وتتحقق التوقعات، والحديث عن مرحلة ما بعد ترامب. يسود الهدوء لبضعة أيام، ويخرج علينا  ترامب بتصريح لقرار جديد يخص فلسطين…أو بالأحرى إسرائيل.

هذه المرة ضرب ترامب عرض الحائط ليدق مسمار النعش الأخير في هذه القضية. فبعد اعلان القدس عاصمة ابدية لإسرائيل اليهودية، ومقابلة قانون القومية في الكنيست مرور المنتصرين، وانهاء موضوع الاسرى بإقالة الوزير المدافع عن الاسرى والمطالبة بحقوق لم يعد طلب الحق بحرية المعتقلين مفيدا. والتمهيد لإغلاق نادي الأسير، وبالتالي التفرد في شد الخناق على  المعتقلين وأهاليهم، وذوي الشهداء. وما مر خلال العام المنصرم من وعيد وتوعد بوقف الدعم الأمريكي مقابل الاستمرار بدفع مستحقات الاسرى. وبعد ما سمعنا من تهديدات فلسطينية وتمسك بالحق والحقوق رأينا النتيجة التي خلصت لها المطالب الأمريكية والإسرائيلية بالإذعان الكامل من قبل السلطة.

في المقابل، كان الشعب إذا انتبه البعض منا، منشغلا في مسألة خرجت في حينها، وها هي تعود لتتصدر المشهد الفلسطيني. تخرج دائرة الصحة، والجودة ،ولا اعرف ما يتبعها من مؤسسات وهيئات تعنى بالسلامة العامة. ونبدأ بمواضيع المطاعم والمحلات بين اطعمة فاسدة ومرافق صحية لا ترقى للإنسان.

في الشهر الماضي وعلى مدار أسابيع كان هذا هو الموضوع الشاغل للناس، الديدان في سياخ الشاورما، والفئران الميتة في الساندويشات، والصراصير في المقليات ، والمخازن القذرة، والخضراوات المتعفنة، وقصص تجعل المواطن يخاف ان يفتح ثلاجته ليأكل من طعامه الخاص، لكيلا يخرج غش ما امامه. وطبعا مشاتل الحشيش التي يبدو وأنها يمكن ان تكون من صادرات الوطن المجيد من كثرة ما نسمع عن الإمساك بأصحابها.

لا اعرف في كل مرة الا السؤال الذي يخرج امامي، هل نامت هذه الهيئات واستيقظت لتجد هذا الكم من الخراب والفساد والعفن، أم ما يجري هو مجرد حادث او حوادث عارضة.

لان معرفة ان ما يدور حولنا من عيش وسط هذا الكم من الغش، ويدخل الى افواهنا من طعام وشراب، يجعلنا ربما نتساءل عن كثرة الامراض والفيروسات التي كنا نعيل امرها الى القضاء والقدر وامر الله.

المهم.. الموضوع هنا هو خروج هذه الأمور الى الحيز العام، تزامنا او بالأحرى قبل وقت قليل من عزل لترامب مرتقب، ثم قرارا لترامب في شأننا، يمكنه “كتمكين فرعون في مصر.”

حتى صفقة القرن التي صفعناها قبل ان نفهم مضامينها، ونبذناها ورفضناها وأدنناه، لم يعد نتانياهو مهتما بها.

ترامب يقوم بما لا يستطيع ان يقوم به أبو مازن وغيره ممهدا الساحة لحل دائم.

أستغرب الانبهار من تصريح ترامب بشأن العودة، ولقد سبقه أبو مازن بسنوات وعلى الملأ عندما أعلن للجمهور الإسرائيلي تنازله عن حقه بالعودة الى صفد.

قرار حكومي إسرائيلي بالسماح للمستوطنين من اليهود بالصلاة في الأقصى أمام شبه ادانة شعبية وسلطوية، لا يبدو غريبا، ولكنه يؤكد على الكارثية، فلقد استنزفنا طاقاتنا امام البوابات الالكترونية.

هم معتادون على أفعالنا التي لا ترقى إلا لردود الفعل المؤقت…

ما يجري من حقيقة هو امر واحد … غياب شعبي عن حقيقة الأمور التي يتم تدبيرها او بالأحرى قد تم تدبيرها وما نراه ليس الا مسرحية قد تم الاعداد لها ، ولقد بدأ عرضها الآن. وما نقوم به كشعب هو الفرجة. نصفق، ونبكي، ونضحك، ونلطم ونستاء وينتهي العرض ونعود لحياتنا الاعتيادية. استهلاك وجري وراء اللقمة وما تبقى من وطن نلعن فيه من ظلمنا، ونشتم من اساء الينا، ونحمل المسؤولية لأولي الامر، واولي التدبير، والعزم على امرنا.

الوجه الثاني لهذه الحقيقة هو ان ما يجري ليس مسرحية. هي حياتنا التي تحولنا بها الى كومبارسات في عروض حياة المستفيدين من وجودنا.

فيلتهث أولئك جميعهم، من فتح الى حماس الى الجبهة الديمقراطية. ذلك من منبر المقاطعة وذاك من خنادق الحصار والأخير من غيابات السجون. كل يتلهف وراء ما سيعطيه إمكانيات للبقاء من قبل إدارة ترامب وإسرائيل.

يبدو انهم اتفقوا منذ أوسلو ان ما يجري اليوم هو الفصل الأخير من مسرحية القضية الفلسطينية.

تنتهي القضية… ويبقى ترامب …ويكون نتانياهو.. زعيم صهيون المنتظر..

رأي اليوم 

اثنين, 20/08/2018 - 10:17