لا للتهدئة نعم للتنسيق الأمني المقدس!

نادية عصام حرحش

يبدو ان حماس دخلت في مرحلة حاسمة جديدة، عندما تحايلت على مبادئها الأساسية من جديد.

في المرة الأولى، دخول حماس المباغت للانتخابات، أدى لخسارة فتح المتفردة بالشارع الفلسطيني وسقوطها المدوي.

حماس بذاك الدخول وافقت على أوسلو التي كانت ترفضها بشدة.

ولكن دخول حماس كان مهما ومفصليا من جهة، ومخلصا للشارع الفلسطيني الذي اضناه فساد سلطة فتح من جهة أخرى.

الرهان على أن الشعب العلماني الطابع لن يصوت لحماس الإسلامية سقط بجدارة. لأن الانسان الفلسطيني، علمانيا كان او متدينا بطريقة أيديولوجية أي كانت، بوصلته كانت دائما نحو الوطن، فالتحرر كان كما لا يزال هو العنوان. على الرغم من الانغماس في مآسي ومظالم الحياة التي أوصلتنا الى هذا الحضيض من الوجود.

هذه المرة، كانت نية حماس بالتفاوض مع الاحتلال سواء بيتت ام أعلنت. سواء كانت للمساومة او للضغط على أطراف السلطة وغيرهم، تشكل الخط الأحمر الأكبر فيما يعتبر مسلمات من حماس.

ولكن حماس كانت اذكى من ان تدمر قاعدتها الشعبية الواعية والراعية منها، لأن التهدئة أخذت شكلا عاديا. فمن البديهي والطبيعي ان تنشأ تهدئة مع العدو في زمن الحروب. فهذا لا يحتاج للكثير من الفتاوي والتبريرات، والتاريخ العربي الإسلامي مليء بقصص التاريخ المشابهة، فلن يكون صعبا ان يحاك مثالا مناسبا.

ومن الناحية الثانية والاهم، فان شروع حماس بالتهدئة، يعطيها نقاطا لا يأخذ منها. لأن هناك شعب يموت حياة في كل لحظة في غزة من شدة الحصار. فتوجه حماس نحو التهدئة يقول ان حماس في نهاية الامر تعطي للشعب أولوية على الأمور الأخرى.

وهنا، تفاجأت فتح مرة أخرى، ولم تفلح أي محاولة بتغيير مسار الخط السياسي الجديد مع الاحتلال الذي صارت حماس فيه أحد الأطراف، ولم تعد سلطة فتح متفردة فيه.

فالقاصي والداني يعرف عدم جدية فتح في المصالحة. وما شهدناه على مدار السنوات من مهزلة في ادعاءات مصالحة ووفاق لم يكن الا محاولات للهو في الوقت الضائع. الرهان الوحيد لفتح كان في اسقاط حماس. فشد الخناق والحصار لن يجعلها تستمر، وسينقلب عليها الجياع في غزة في أي لحظة. من يتحمل انقطاع الكهرباء والماء والعيش في أدنى مستويات الحياة لعقد وأكثر من الزمن؟ من يتحمل القتل والقصف والقذائف المستمرة؟ من يتحمل رؤية الأبناء في عمر الورود يستشهدون ويبترون ويشوهون؟

في وقت راهنت فيه فتح على زوال حماس من خلال تجويع الشعب وخنقه ومن ثم خروجه ثائرا على حماس، سلكت حماس طريقا اخر في انقاذ الشعب ولانت امام عروض أخرى تخلص الشعب من الموت المحتدم ولو بصورة مؤقتة.

رهان فتح استمر في السقوط، لأن فتح استمرت في طريقها البائس نفسه منذ عشرات السنين. وكأن ما تردد من شعارات وتصريحات هو الكلمة الوحيدة التي تصل الى جمهور الشعب.

ان تصرفات سلطة فتح في كل مرة تزداد سود واحباطا وترديا، وتجعل حتى أبناء فتح المخلصين يأخذون جانبا متنحيا من هذا الفساد المتفشي.

في وقت يقتل الحصار غزة، تشد السلطة يد الحصار على غزة، وتعيش في رام الله ايامها الرغيدة مع أبناء السلطة، تعيينات وزارية وترقيات من جهة، وفلتان أمني غير مسبوق من جهة أخرى. رجال القصر يترقون بالمراتب الأمنية والعسكرية، والزوج يقتل زوجته، والجار يقتل ابن الجار، والمخدرات تتفشى، والمطاعم تقدم السموم بأطباق مزينة، والمرافق الصحية تدمي القلوب من القصص اليومية التي نسمعها، والمرافق العامة في حالة انحدار سيقتل الناس بالجماعات عن قريب، الأمانة العامة بالطرقات معدومة، ففي كل يوم حوادث طرق تودي بالأرواح وتعطب الأجساد، القانون مغيب والقبلية والعشائرية تهيمن، والتعليم وما أدراك ما التعليم ، فالتوجيهي صار إنجازا ، والطلاب في تزايد والصفوف تتقلص والأونروا تحاول التخلي عن مسؤولياتها وتبقي خيمة اللجوء … والعلاقة مع الاحتلال حدث ولا حرج، تنسيق أمني مقدس! المستعمرات يعم الهدوء على سكانها، ودبابات الاحتلال وجيباته وقناصته يجولون ويسرحون في شوارع السلطة بتنسيق عالي. القدس تسربت أراضيها، ومن قام بأسوأ عملية بيع في تاريخ المدينة يجلس كعضو شرف في محافل السلطة، وها هي المسبحة قد فرطت احجارها، وصار من يبيع للاحتلال من نخبة المجتمع، ومتحف الطبيعة في مدرسة القدس العريقة صار الزوار منا يتباهون بمشاهدة مقتنياته بجامعة تل ابيب. طوابير المواطنين يصطفون على أبواب وزارة الداخلية من اجل جوازات السفر الإسرائيلي، والاحتفاء بالجواز صار وساما على صدور من يدافعون عن الوطن. القدس صارت عاصمة الدولة الإسرائيلية، وإسرائيل صارت دولة اليهود، وترامب تجرأ بعد أبو مازن تنازل في صك رسمي عن حق العودة، ويعلن رجالات فتح على الملأ بأن التهدئة عمل غير وطني!

أبو مازن يعلن ان التهدئة لن تمر حتى ولو على قطع رقبته (على لسان أحد وزراء الامن المخضرمين)، وعراب المصالحة الكاذبة (عزام الأحمد) يصرح ويصرخ ويشجب ويندب، فالتهدئة خيانة.

ورئيس المفاوضات الابدي يشجب التفاوض مع الاحتلال من قبل حماس… فالمفاوضات شأنه وفصيله حتى اخر فلسطيني.

في النهاية….

ما تقوم به حماس من محاولات للتهدئة هو الأفضل في تاريخها الحديث، ليس لأنها تتسابق للتعامل والتنسيق مع الاحتلال، ولكن لأنه لم يبق سبيل لأهل غزة في البقاء والاستمرار الا من خلال التهدئة. التهدئة مع الاحتلال مقابل نجاة اهل غزة يحسب لحماس ولا يحسب عليها.

وكما في الماضي تمت محاربة حماس لدرجة أخرجت الأسوأ في حماس عند دخولهم السلطة. أتمنى ان لا يتم استمرار محاربة فتح لحماس بشأن التهدئة ونرى الأسوأ كنتيجة حتمية….

ولن تكون نهاية هذا المقال أكثر إثارة من تصريح قدمه محمود عباس من جديد على طبق من ذهب خلال لقائه مع اكاديميين إسرائيليين في المقاطعة مصرحا بأنه يكتفي بدولة منزوعة السلاح بلا جيش وشرطة بلا سلاح، مكتفيا بالتسلح بالعصي…

رأي اليوم 

خميس, 30/08/2018 - 10:38