عاصمة المتنفس المفقود

محمد ولد أحمدو مطار

في خمسينيات القرن الماضي وتحديدا صباح الخامس من مارس في العام 1958وقبل اعلان استقلال  الدولة الموريتانية وضع الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول رفقة الرئيس المؤسس المختار ولد دادداه طيب الله ثراه الحجر الأساس لبناء العاصمة انواكشوط التي تشكلت  بين كثبان رملية وادعة وعلى شاطئ أطلسي غني بالثروة ….
 لكن هذه المدينة الآثمة بدأت طفولتها المدنية خارج نسق القانون العمراني واستمرت مراهقتها دون تصيحيح هذ الخطأ الجسيم لتبدأ مرحلة شبابها دون شبكات للصرف الصحي أو متنفس للراحة والاستجمام لكن ذلك لم يمنع من ظهور دور للمطالعة وأماكن للسينما والمسرح في مرحلة ما من التاريخ شهدت مستويات إقبال منقطعة النظير قبل أن تختفي تماما من المشهد ليبقى أثرها شاهدا حتى اليوم وربما أسقطها الصراع الهوياتي ذي الطبعة الدينية بين أنصار الدولة المدنية ورموز الخيمة البدوية ذات الأبواب المفتوحة والقانون المفقود وهو ما يتنافى مع جل المفاهيم المدنية التي يتطلبها النظام العام 
لقد شكلت العاصمة انواكشوط -أو العاصمة التي تدير ظهرها للبحر كما وصفها أحد الغربيين -عبر تاريخها المختلف ومراحلها السياسية الفارطة أنموذج العاصمة البدوية المتقمصة لأثواب المدن العصرية من خلال بعض المظاهر الشكلية المحدودة جدا ورغم كل محاولات التمدين والعصرنة ظلت أفواج النازحين من جحيم الداخل الفارين من عوامل التعري وربما المستجيرين من الرمضاء بالنار  تعيد كل محاولة لرسم ملامح عصرية للمدينة الى مربع الصفر وتزيد نسبة النمو العشوائي للسكان الذين بلغو حاجز المليون في مدينة تعد واحدة  من أكثر مدن العالم هشاشة وأوفرها حظوظا على مستوى المتناقصات  وعلى مستوى الحماية المدنية ونظام الطوارئ وغياب وسائل الترفيه ونقص الأشجار والثمرات وإهمال الشواطئ لكن الأدهى والأمر من ذلك كله هو غياب الوعي المدني ونقص التثقيف حول الواجب الوطني والدور التكاملي الذي يجب أن يلعبه الإنسان في بناء الدولة الوطنية وهو ما بدء  النظام الحالي يدرك متأخرا أهميته وتأثيراته على المشهد وبدء يعالج أخطاء أسلافه المتراكمة ويحاول تجميل وجه عاصمة بدأت الشيخوخة ترسم تضاريس وجهها الشاحب ولعل السؤال الوجداني المشروع الذي شاب على الشفاه وعلى جنبات أرصفة الحيرة هو الى متى يستمر هذ الواقع الغريب وهذه المحاكاة المبتذلة في المدنية  والى أي مدى ساهمت السياسات الحكومية في تقليص الطابع البدوي للعاصمة وهل هناك سياسات لتجذير الوعي المدني وتوطين مفاهيم الإنتماء الوطني داخل العقل الجمعوي والحد من التأثير المزعج للعقليات على مسار التوطين

اثنين, 20/06/2022 - 15:47