أردنيو الشتات.. مصطلح يعبر عن واقع الأردنيين

سهير فهد جرادات

في صغري ، عندما كنا نجتمع في المناسبات ببيت جَدي أبو الفهد – رحمه الله- ، كان يصل عدد الأبناء والأحفاد الى حدود المئة ، وفي كل جَمعة كان جَدي يتحسر لعدم وجود  احدى عماتي مع “اللمة” العائلية إذ  كانت مغتربة في دولة الكويت .
 تخيلوا بين كل 100 شخص كان يوجد مغترب واحد !!..وكثير من العائلات كان جميع ابنائها داخل البلاد ويندر ان يكون احدهم مغتربا.
في أيامنا هذه انعكست الأمور ، وأصبح العدد الأكبر من افراد العوائل يعملون في الخارج او حصلوا على جنسية دولة أخرى وهاجروا إليها، حتى أصبح من شبه المستحيل أن تجد عائلة جميع ابنائها يعيشون في الأردن .. بعد ان تراموا  وتشتتوا في اصقاع العالم!!

والامر ليس بخطأ، وطبيعي الى حد ما  ولكني صدمت عندما سمعت راي احد المسؤولين في غربة أبناء الوطن : بأن الدولة بجميع أركانها تسعى لفتح أبواب الهجرة والعمل لهم، وهذا امر جميل وجيد من حيث إيجاد فرص عمل ، ورفد الوطن بالحوالات الخارجية ..الا انه أكمل ان الهدف من التشجيع على الهجرة هو تفريغ الوطن من شبابه الذين يكونون ثلثي مواطنيه ، اذ في حال” شجعناهم على الهجرة لن يبقى إلا الكبار وصغار السن داخل البلد .. وفي هذه الحالة لن نجد مطالب ينزل للشارع .. لان الكبير لن “يهكل” همّ مستقبل ابنائه المغادرين للوطن ( وهنا الطامة ) في حال صدقت رواية هذا المسؤول ، مما يجعلنا امام سؤال : ما هو القادم على هذا الوطن ؟؟!!
الى درجة كبيرة كلام هذه المسؤول واقعي ، خاصة عندما شاهدنا في احتفال المئوية (عرضا مؤثرا ) لقصة نجاح وتميز بطلها ومن انجزها موجود  خارج البلاد !! وهذه القصة لاقت استحسان المسؤول ولاقت تصفيقاً حاراً يحمل رسالة للشباب بأن(طريق المطار )هو مقصد الباحثين عن الحياة الفضلى ، التي لا تتحق إلا بالهجرة وترك البلد ..
واضح بأن السياسات التي تنتهج في الأردن ، هي سياسات طاردة للشباب والكفاءات ، حيث يسجل الأردن ارتفاعاً في نسب البطالة ، واتساعاً في رقعة الفقر ، وتراجعاً في فرص العمل والعيش الكريم في ظل غياب العدالة ، وانعكس ذلك على الأردني الذي اصبح وبنسبة تصل الى النصف – بحسب استطلاعات للرأي – من أكثر الشعوب العربية تفكيراً بالهجرة.
نعم  لقد انحصرت رغبة الشباب الأردني  في هذه الايام بترك الوطن والهجرة بحثا عن مستقبل أفضل ، وتحسين ظروفهم المعيشية بعدما تولدت لديهم ردة فعل عكسية نتيجة لمخرجات المنظومة السياسية ، وتملكهم الإحباط بعد صدور قانوني الانتخاب والأحزاب السياسية اللذين يرسخان مفهوم ( احتكار ) مجموعة واتباعها المناصب التي باتت تورث ، ويتمتعون بخيرات الوطن ، حتى فقدوا الثقة بمستقبلهم ، وبدأوا بالتفكير جدياً بالهجرة بحثا عن العدالة وتكافؤ الفرص التي افتقدوها في وطنهم .
حتى من بقي في الأردن ، بدأ يشعر بالغربة داخل الوطن ، بعد أن أصبح يعيش في كنف وطن يسكنه الفساد واستبدت فيه المحسوبية ، حتى فقد الأمان المعيشي في وطنه وبدأ البحث عن (ملاذات آمنة ) بعيداً عن وطنه اذ أصبح حلمه ترك وطنه الذي يحبه وفيه ولد وعاش.
هل ما وصلنا له ، من تزايد اعداد الاردنيين الذين ( هجوا ) او يصطفون على ابواب السفارات طلبا للهجرة ؟ ترجمة لحكمة الامام علي -كرم الله وجهه – حول معنى الوطن “الغنى في الغربة وطن ، والفقر في الوطن غربة ” !!.. خاصة بعد ان قتلت الوطنية بداخلهم حتى باتوا يفضلون الغربة على البقاء في وطن يقهرون صباح مساء من استبداد ثالثوث ( الفقر ، والفساد وغياب العدالة ) ، حتى فقدوا الأمن والأمان المعيشي ، وباتت كرامته مهددة ، وأصبح يبحث عن الراحة المادية التي تحافظ على كرامته خارج أسوار الوطن ..
   اليوم ، لو نظرنا للوضع الاسري لاي عائلة اردنية سنجد ان غالبية افرادها خارج البلاد.. فهل هذا الامر طبيعي ؟  أم اننا وصلنا الى مرحلة ينطبق علينا مقولة ( أردنيو الشتات) بعد ان “ضيقوا ” علينا .. وطفشونا ..!!

نقلا عن رأي اليوم 

ثلاثاء, 17/01/2023 - 12:45