أحداث السجن المدني ..رهان جديد على مقاربة موريتانيا في مواجهة الإرهاب

اللواء أحمدو بمب ولد بايه  خبير عسكري   

أعادت أحداث السجن المدني الأخيرة تذكيرنا جميعا بأن الإرهاب كان وما زال الخطر الذي لا يزال يتهدد الجميع، ويتسرب بين الحين والآخر من منافذ متعددة، مما يتطلب منا مزيدا من تقوية الصف، وتعزيز الفعالية الأمنية والسياسية لمواجهة هذا الخطر.

إن القراءة الأمنية والسياسية لهذه الحادثة يجب أن تمر عبر محاور متعددة، نجملها في المقاربة التالية

 

عملية الهروب...ثغرة في جدار حصين

 

 

تشير مختلف المؤشرات المتداولة حول عملية الهروب إلى ثغرات في الاحتياط لدى بعض الحراس، مما مهد لاختراق أمني أدى إلى هروب المعنيين، وهو ما يعطي درسا مهما يجب أن ينتبه له مع الزمن، وغير خاف أن قوة الاستيراتيجيات الأمنية ليس في قدرتها المطلقة على تحييد الخطر، بل في المرونة والقدرة على سد الثغرات، وقد أدت الأحداث الأخيرة إلى مراجعة جديدة للحراسات والاحتياط الأمني

 

التتبع والمواجهة..إبعاد الخطر وتحييد المتطرفين 

منذ الساعات الأولى انتهجت السلطات العسكرية والأمنية مسارين مهمين من أجل القبض على المجرمين دون أحداث أي خسائر في الأرواح والمنشآت وهذان المساران هما:

 

مسار التحييد والإبعاد عن مناطق الالتباس مع المواطنين أو المنشآت، وهذا أسلوب أمني طبيعي في تضييق دائرة الخطر، ويعكس مستوى عاليا من المهنية والاحترافية في التعاطي مع الطوارئ.

 

تضييق دائرة الإسناد للمجرمين من خلال: قطع شبكة الانترنت عن الهواتف المحمولة مما اضطر الجناة ومن يساندهم إلى استعمال الهاتف الخلوي مما سهل رصدهم ومتبابعتهم والقبض عليهم لاحقا، وهكذا وضع الأمن الوطني اليد على عدد من المتورطين في عملية الهروب قبل القبض على المعنيين

 

في إطار المتابعة ينبغي دائما التذكير بأن قدرة الأفراد على التخفي لا متناهية، وخصوصا في فضاء مجتمعي مفتوح يمتاز بكثير من اللامبالاة وضعف الحس الأمني، في هذا السياق يمكن دائما أن ينقطع خيط التتبع في رصد الهدف مما يدفع إلى البحث في اتجاهات مختلفة، والتعامل مع مئات التبليغات التلقائية او تلك الكيدية التي تسعى إلى  التضليل وصرف النظر عن الهدف.

 

كان للرصد المجتمعي دور كبير في تضييق الخناق على الفارين، ومكن تحليل المعلومات السلطات الأمنية من إنهاك المعتدين من خلال إبعادهم مرة أخرى عن دائرة القرى والمدن، حيث تمت مواجهتهم لاحقا في منطقة جبلية وعرة وبعيدة من السكان.

 

كانت الشجاعة والاحتراف القتالي والتكامل بين الأجهزة المكلفة بالتتبع حاسما في إنهاء العملية في تراشق سريع مكن من القضاء على الإرهابيين، كما مكن أيضا من الحصول على مصادر هائلة للمعلومات سيتم استغلالها لمعرفة المزيد من هذه العملية واتخاذ الإجراء المناسب.

 

كانت ادارة هذه الأزمة ناجحة سياسيا وأمنيا وإعلاميا، من خلال الرصد النوعي وتضييق دائرة الشائعات التي تروج في مثل هذه الأوقات وتدفع إلى تشتيت الرأي العام، بل وتتسبب في أحيان كثيرة في إنتاج محاضن اجتماعية للإرهاب والتطرف.

 

 

الخلاصات والتوصيات

 

تفرض هذه الأزمة الاعتراف لمقاربتنا الأمنية في مواجهة الإرهاب بالنجاعة والتميز، لأن كنه هذه المقاربة لا يقوم على القضاء النهائي على الإرهاب وفكر الجريمة، بل في الوقاية الدائمة والتصدي السريع والفعال لأي طارئ أمني، وعلى اكتشاف الثغرات وسدها، وكذا المرونة الأمنية التي تتطلب دائما تطوير هذه المقاربة والرفع من جاهزيتها.

 

كان للرأي العام النخبوي والديني بشكل خاص دور كبير في محاصرة الظاهرة وفي منع أي محضن اجتماعي أو فكري للإرهاب، وبهذا يكون المجتمع قد اكتساب حصانة نوعية ضد الإرهاب.

 

كان تعاطي رئيس الجمهورية بشكل خاص مع الملف نوعيا ومحترفا وإنسانيا أيضا في التكريم النوعي الذي خص به شهداء الوطن وكذلك في المكرمة التي خص بها أسرهم وتضمنت عونا ماليا وترقية مهنية.

 

تدعونا هذه المحنة التي وقانا الله شرها إلى:

 

الرفع من مستوى الجاهزية لمواجهة هذا الخطر، وإنتهاج سياسة تنظيمية جديدة وفعالة تجاه السجون والنزلاء الخطيرين.

 

اختيار مواقع أكثر مناسبة وأمنا واحتياطا لإقامة السجون بعيدا عن الأماكن الحساسة والتجمعات السكنية

 

إقامة سجون خاص ومراكز تأهيل للمجرمين الخطيرين بعيدا عن المجرمين العاديين حتى لا يتحولوا إلى عناصر إرهابية، خصوصا أنه ثبت بالتجربة أن عددا كبيرا من الإرهابيين هم أصحاب سوابق انحرافية

 

تكوين حراس السجون على مستويات متعددة أمنيا ونفسيا، وتمكينهم من الوسائل المناسبة، وخصوصا الوسائل الفنية الكفيلة بفرض الأمن والتفتيش والرقابة، والاستفادة من تجارب دول متقدمة في هذا المجال

 

متابعة الحدود بشكل كبير وخصوصا في مناطق التماس مع جيراننا في مناطق الاشتباك مع الإرهاب، ورقابة أفواج اللاجئين حتى لا يتسلل من خلالهم أو فيهم أشخاص أو خطاب أو تنظيم متطرف

 

تفعيل الأمن المجتمعي باعتباره الظهير الأهم للأمن العام وبدون احتضان جماهيري وفعال للأمن فكرا وممارسة، تظل المقاربات ناقصة وقابلة للاختراق

 

تدفعنا هذه الأزمة إلى مزيد من التأكيد على خطر الإرهاب وضرورة التصدي له

 

تدعونا إلى مزيد من الإشادة والتقدير لأجهزتنا العسكرية والأمنية ولدفاعاتنا النوعية التي حمى الله بها البلاد والعباد.

 

ضرورة التعاطي الجديد بحسم وحزم مع المتغيرات التي فرضتها حركة التنقيب عن الذهب وما فتحته من طرق التفافية لا تمر عبر المعابر والطرق المعبدة، وتمكن من الانتقال في عرض البلاد وطولها عبر السيارات عابرات الصحراء في مسارب أصبحت معروفة للجميع.

 

التحكم في تجارة وسائل تفجير الآبار والتربة المعروفة محليا بالشديد والتي بات من المؤكد أن عددا كبيرا من المنقبين يستخدمونها في تفجير آبار التنقيب وقد تمثل أيضا وسيلة وخطرا يمكن أن تمتد إليه يد الإرهاب.

 

إن هذه التوصيات قبل أن تكون رأيا أمنيا مهنيا هي رأي وطني ونصيحة مخلنص لهذا البلد، يرجو أن يحفظه الله وأن يوفق قائده الملهم فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

جمعة, 17/03/2023 - 00:05