لغز خاشقجي ام أزمة خاطفيه؟

سعيد الشهابي

 

اين جمال خاشقجي؟ ما توفر معلومات يشير الى ان سيناريو «المهدي بن بركة» قد تكرر معه حلقة حلقة. سيظل هذا التساؤل يتردد على الالسن لفترة قد تمتد عقودا، وقد تقصر فيما لو انتهى لغز اختفائه، وان كان الارجح انه رحل الى ربه مظلوما. فما تزال التساؤلات تتردد عن ما حدث لمعارض سعودي آخر قبل اربعين عاما، يقال ان منظمة التحرير الفلسطينية سلمته للسلطات السعودية فاختفى اثره حتى اليوم. ومع ان استهداف المعارضين ممارسة تقوم بها الانظمة القمعية عادة، الا ان اختفاء المعارضين اما خطفا او سجنا يبقى مثارا للتساؤلات والجدل، بينما تتلاشى عادة انباء من يتعرضون للقتل تعذيبا او اغتيالا او إعداما.
فعدم وضوح مصير الانسان يبقي قضيته غضة في نفوس اهله واصدقائه، لأن الاخفاء القسري تصاحبه نظريات تتصل بالمؤامرة والتواطؤ والصفقات السياسية، وتنطوي على شيء من الظواهر البوليسية والمغامرة والصفقات السرية. فمثلا بقيت قضية مردخاي فعنونو، المعارض الاسرائيلي الذي اختطفته عناصر الموساد الاسرائيلي في 1986 حاضرة في وسائل االاعلام العالمية حتى اطلق سراحه في العام 2004 بعد ان قضى 18 عاما وراء القضبان بتهمة كشف اسرار خطيرة. وكان فعنونو موظفا فنيا في القطاع النووي الاسرائيلي و «ناشطا من اجل السلام». وكان قد تحدث للصحافة البريطانية حول المشروع النووي الاسرائيلي وكشف معلومات اعتبرتها السلطات الاسرائيلية اسرارا. استدرج فعنونو الى ايطاليا وهناك اختطفته عناصر تابعة للموساد الاسرائيلي، وعرض على محكمة خاصة نظرت في قضيته في جلسات مغلقة ثم اصدرت حكما بسجنه. وبعد اطلاق سراحه تعرض لاعتقالات عديدة بتهمة مخالفته لشروط الافراج.
ولتوضيح اهمية خطف الاعلامي السعودي جمال خاشقجي يجدر طرح جرائم خطف مماثلة:
ففي عام 1965 اختطفت المخابرات المغربية المعارض الاشتراكي المهدي بن بركة، فاحدث ذلك ضجة في الاوساط السياسية خصوصا ان اجواء العالم العربي آنذاك كانت تعج بالايديولوجيات الثورية والتحررية والقومية. كان المهدي بن بركة على موعد مع مخرج سينمائي فرنسي أمام مطعم ليب في شارع سان جيرمان في قلب العاصمة الفرنسية، لإعداد فيلم حول حركات التحرر، وكان هذا المخرج مشاركًا في سيناريو الاختطاف. تقدم رجلا شرطة فرنسيان إلى بن بركة وطلبا منه مرافقتهما في سيارة تابعة للشرطة. اختفى أثر بن بركة ولم يعرف عن مصيره شيء إلا ما أدلى به الشرطيان أمام المحكمة، حيث اعترفا أنهما خطفا بن بركة بالاتفاق مع المخابرات المغربية وأنهما أخذاه إلى فيلا تقع في ضواحي باريس. وهناك شاهدا الجنرال محمد أوفقير وزير الداخلية المغربية آنذاك ومعه أحمد الدليمي مدير المخابرات المغربية وآخرون من رجاله، وأن بن بركة توفي أثناء التحقيق معه وتعذيبه. وتعددت الروايات عن مصير جثمانه، فمن قائل انه دفن بالقرب من نهر السين، او انه نقل الى المغرب، حسب ما قاله في 2001 احمد البخاري، الذي كان قريبا من المخابرات المغربية.
وهناك قصة المناضل التركي، عبد الله اوجلان، الذي اختطفته المخابرات التركية في العهد السابق عام 1999 من مطار العاصمة الكينية نيروبي. يومها كان بولنت اجاويد رئيسا للورزاء. فقد هبطت طائرة خاصة برجل اعمال تركي تم تغيير معالمها لتشبه طائرة القائد الكردي عبدالله أوجلان الذي كان سيغادر من نيروبي باتجاه هولندا لالقاء خطاب امام جمع من الجالية التركية هناك. بعد لحظات وصل موكب عبدالله أوجلان بسيارته المصفحة الى ساحة المطار واتجه للطائرة التركية بدون أن يعلم لا هو ولا مرافقوه أنه تم تغيير طائرته بطائرة تركية شبيهة لها تماما.
ما إن دخل أوجلان حتى سحبه للداخل أربعة رجال من الاستخبارات التركية، وأغلقوا الباب فورا ودفعوا مرافقيه إلى خارج الطائرة التي أقلعت فورا مغادرة الأجواء الكينية لتصل بعد حوالي خمس ساعات الى قاعدة عسكرية في منطقة باندرما شمال غربي تركيا.
يروي الكاتب جوردان تومس في كتابه «أسرار الموساد» تفاصيل العملية قائلا: «طلب رئيس وزراء تركيا (بولند أجاويد) من رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها (بنيامين نتنياهو) المساعدة في القبض على عبدالله أوجلان الذي تسبب بصداع للسلطات التركية، وكان يتنقل بين البقاع اللبناني وألمانيا وإيطاليا وموسكو، واستطاع التخفي بدون أن تتمكن المخابرات التركية من القبض عليه، وأضاف قائلا إن مكتب الموساد في العاصمة الإيطالية روما لعب دورا محوريا في تتبع أوجلان، حين تلقى معلومة عن توجهه من هولندا للعاصمة الكينية نيروبي بطائرة خاصة هربا من الملاحقات.أرسلت المعلومة لمكتب الموساد في نيروبي لمراقبة وصول أوجلان الذي لجأ فور وصوله إلى السفارة اليونانية، تم رصد حركته حتى قرر الخروج من كينيا مبلغا مرافقيه أنه سيتوجه لهولندا مرة أخرى، مررت المخابرات الإسرائيلية المعلومة للأتراك الذين بدورهم جهزوا على عجل طائرة بديلة، تم فيها آخر فصول القصة الطويلة والمثيرة.
وفي العام 1984 حدثت محاولة لخطف وزير نيجيري سابق اسمه عمر ديكو من لندن لارساله الى نيجيريا. الوزير وقف ضد الحكم العسكري بقيادة محمد بوهاري، وهرب خارج البلاد، ولكن الاسرائيليين الطامعين في نفط نيجيريا عرضوا على العسكر عملية الخطف فتمت الموافقة. وتم خطف الرجل من منزله وسط العاصمة البريطانية وتخديره ونقله في صندوق الى مطار ستانستيد، ولكن ديكو استيقظ وبدأ يتحرك فلاحظ عمال الجمارك ذلك وافشلوا المحاولة.
واعتقل منفذو جريمة الخطف وقدم بعضهم للمحاكمة. وكشف ممثل الاتهام (جورج كورمان) عن تورط الموساد في العملية برمتها منذ التخطيط لها في لاغوس إلى مراحل التنفيذ في لندن.. انتهاءً بالإخفاق على أرض مطار (ستانستيد)، كما كشف عن الدور الذي قام به ضابط المخابرات الإسرائيلي (ألكسندر باراك) في إدارة العملية الفاشلة هو وزميلاه بموافقة مباشرة من رؤسائه في رئاسة جهاز الموساد. وأنهم تلقوا مبالغ مالية من ضابط المخابرات النيجيري محمد جوسوفو.
الاسرائيليون الذين خرقوا قوانين العالم باحتلالهم فلسطين وتنكيلهم باهلها ورفضوا الانصياع للارادة الدولية بفتح مشروعهم النووي لاشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يواصلون تلك الانتهاكات بدون توقف. واستخدموا خبراتهم الامنية للتصدي للنشطاء الفلسطينيين ليس داخل الاراضي المحتلة فحسب بل خارجها كذلك. الاسرائيليون يختطفون مناوئيهم من الاسرائيليين، مثل فعنونو، ولكنهم يغتالون الفلسطينيين خارج الحدود، ولا يختطفونهم عادة. نعم اختطفوا في العام 1960 ادولف ايخمان، أحد الضباط النازيين، من قرب منزله بالارجنتين، ونقلوه الى تل أبيب. وبعد محاكمة علنية صدر حكم الاعدام بحقه، فشنق ثم احرق وجمع رماده ورمي في البحر. وكان من آخر من اغتيل من الفلسطينيين، محمود المبحوح الذي اغتيل في احد فنادق دبي، وربما كان ذلك بداية التعاون الامني بين الامارات والكيان الاسرائيلي. وشملت اغتيالاتهم عددا كبيرا من رموز المقاومة الفلسطينية واللبنانية منهم ابوجهاد وابو أياد وفتحي الشقاقي، وقبلهم سعيد حمامي. هذه الجرائم جميعا تعتبر قتلا خارج القانون، وتكفي لادانة مرتكبيها بالخروج على القانون الدولي وارتكاب جرائم ضد الانسانية. ولكن في عالم يحكمه ذوو القوة العسكرية المفرطة، اصبح القانون والتشبث به سلاح الضعيف الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه. اما ذوو القوة المادية فيسعون لفرض ما يريدونه، معتبرين ان «القوة هي الحق».
اما القصة الاخيرة فهي تسليم فرنسا في 1986 شخصين معارضين للنظام العراقي، هما فوزي حمزة وانها قصة مختلفة تماما، لانها ادت لحدوث ضغط دولي على حكومة الرئيس ميتران الذي طلب من العراق اعادة الشخصين الى باريس، وهذا ما حدث.
هذا الاعلامي المعروف اختفى قبل اسبوع بعد دخوله القنصلية السعودية في اسطنبول، تاركا خطيبته بانتظاره خارج المبنى. ومن المؤكد ان شكوكا كبيرة كانت تساوره وهو يدخل المبنى، وربما اعتقد ان بقاء خطيبته خارج المبنى سيوفر وسيلة لانقاذه فيما لو حدث له مكروه. ولكن فاته ان من يخطط لخطف شخص مرموق مثله قد وضع ذلك الاحتمال في حسبانه، ورسم اجراءاته وفق ذلك. المرأة المذكورة قامت بمهمتها واخبرت السلطات الامنية التركية، ولكن بعد فوات الاوان.

القدس العربي

اثنين, 08/10/2018 - 10:46