هل بدأ السيسي حصار الأزهر إعلاميا؟

في سابقة هي الأولى من نوعها، جرى حذف بيان لهيئة كبار العلماء المستنكر للمساواة في المواريث بين الذكر والأنثى من مواقع صحفية رسمية وأخرى خاصة محسوبة على السلطة في مصر بعد سويعات من نشر البيان.

وأصدرت هيئة كبار العلماء في مؤسسة الأزهر الشريف بيانا حول قضية "ميراث المرأة" التي أثيرت في الأيام الأخيرة، استنكرت فيه فتاوى لعلماء قريبين من السلطة يرون أنه لا بأس في تجاوز النصوص القرآنية المتعلقة بنصيب الرجل والمرأة في الميراث.

وأثار حذف البيان موجة من التكهنات والاستنكار، لا سيما وأن الحذف جاء عقب هجوم إعلامي ضار على شيخ الأزهرأحمد الطيب من قبل مؤسسات إعلامية رسمية، بلغ حد قيام مجلة روز اليوسف الحكومية بنشر صورة الطيب على غلافها مرفقة بعناوين توحي بأنه راعي الفكر الإرهابي.

وضمن حملة الهجوم الواسعة، جرى استدعاء مواقف سابقة لشيخ الأزهر، اعتبرها القائمون على تلك المؤسسات الصحفية برهانا على أنه يرفض التعاون في محاربة الإرهاب، إن لم يكن يدعمه، ومنها موقفه من رفض تكفير تنظيم الدولة الإسلامية.

المساواة بالميراث
لا تبدو قضية المواريث هي السبب الرئيسي في الهجوم على شيخ الأزهر، إذ نشرت وسائل إعلام رسمية تصريحات استنكار للمساواة في المواريث صرح بها علماء دين رسميون ومنهم وزير الأوقاف محمد مختار جمعة.

وجاء الهجوم الإعلامي الواسع على الطيب من منصات تابعة لنظام السيسي بعد خطاب ألقاه شيخ الأزهر في ذكرى المولد النبوي الشريف، متمسكا بالسنة ومؤكدا أهميتها، مما رآه محللون مناقضا لدعوة الرئيس المصري لتطوير الخطاب الديني.

ورأى مراقبون في حذف البيان دليلا إضافيا على اتجاه السلطة لحصار شيخ الأزهر، الذي لا يبدي مرونة مطلوبة مع السلطة في القضايا التي تريد دعمه فيها، ويمنع دستور العام 2014 عزل شيخ الأزهر.

وظلت الأنظمة المتعاقبة في مصر ترى في الأزهر قداسة لا ينبغي نزعها، رغم صدامات جرت بين السلطة التنفيذية والمؤسسة الدينية ممثلة في الأزهر.

وكانت تصريحات شيخ الأزهر من العناوين التي تسارع الصحف المصرية لنشرها في صدر صفحاتها الأولى، وتحظى باهتمام بالغ، وظل نقد شيخ الأزهر من الأمور التي تسبب لصاحبها متاعب كبرى، وآخرها كان الحكم بحبس وتغريم الصحفي أحمد الخطيب في جريدة الوطن، وذلك قبل عامين.

لا أزمة
من جهة أخرى، فند محللون مقربون من السلطة وجود أزمة بين السلطة والأزهر أدت إلى حذف بيان الأخير، وقالوا إن البيان منسوب لهيئة كبار العلماء، وهي تجمع غير رسمي لمجموعة من العلماء، لا تعبر عن رأي الأزهر الرسمي لكي يقال إن هناك حالة استهداف وحصار للمؤسسة الدينية العريقة.

غير أن قيام بوابة الأزهر على الإنترنت بنشر بيان هيئة كبار العلماء يدحض هذا الرد، إذ يعني نشره تبنيه من قبل المؤسسة حتى ولو لم تكن الهيئة رسمية بالمعنى المطروح.

ورد الكاتب الصحفي سليم عزوز بالقول إن هيئة كبار العلماء هي المنوط بها اختيار شيخ الأزهر، وهي من اختارت المفتي الحالي، فكيف لا تكون مؤسسة رسمية معبرة عن الأزهر؟

ورأى عزوز أن من المؤكد أن المواقع الإخبارية التي حذفت الخبر بعد نشره تلقت تعليمات أمنية في هذا الاتجاه، ولا يمكن بحال أن تكون قد تصرفت من تلقاء نفسها.

ولفت إلى أن تزامن حذف البيان مع موجة هجوم على شيخ الأزهر يشي بوجود توجه عام ضد أحمد الطيب بغرض محاصرته لدفعه إلى الاستقالة ومجيء شيخ آخر.

رسالة للسلطة
ويؤكد الكاتب الصحفي أن تصويت مقربين للسيسي في هيئة العلماء ضد المساواة في المواريث رسالة للسلطة بألا تحاول اللعب في موضوع يحظى باحترام المسلمين.

وقال مستشار وزير الأوقاف السابق الشيخ سلامة عبد القوي إن محاولات النظام حصار الأزهر وشيخه إعلاميا ستكون مغامرة غير محسوبة، وسوف تفسر على أنها محاولة لدفع الأزهر لتبني ما تريده السلطة، أو فلن يسمع أحد برأيه بعد الآن.

وقال عبد القوي إن هذا الاتجاه "سيفسح المجال للأصوات المتطرفة لكي تملأ الفضاء بآرائها الدينية المتشددة كرد فعل على التطرف العلماني الراهن الذي يريد إلغاء ما هو معلوم من الدين بالضرورة"، ويضيف أن هذه الأصوات المتطرفة تجيد التعامل مع وسائل التواصل وبث أفكارها فيه استثمارا لغياب صوت مؤسسة دينية عاقلة ليست على هوى النظام.

وقالت هيئة كبار العلماء في بيانها إنها "تتابع ما يثار في الآونة حول بعض الثوابت الشرعية المحكمة التي يحاول البعض التحقير من شأنها والاستخفاف بأحكامها، بينما يجتهد آخرون في التقليل من قيمتها"، وأشار البيان إلى أن من بين تلك القضايا أحكام المواريث في القرآن الكريم، وقالت الهيئة إنها أمر "تجاوزت فيه حملة التشنيع الجائرة على الشريعة كل حدود العقل والإنصاف".

ورفض العلماء في البيان هذا الاتجاه "حرصا على بيان الحقائق الشرعية ناصعة أمام جماهير المسلمين في العالم كله، فإن الأزهر الشريف بما يحمله من واجب بيان دين الله تعالى وحراسة شريعته وأحكامه، فإنه لا يتوانى عن أداء دوره".

المصدر : الجزيرة

ثلاثاء, 27/11/2018 - 23:51