هذا هو اتحاد الصحافيين العرب!

محمد كريشان

قلها لأي صحافي في هذا العالم فلن يصدقك. قل له إن الاجتماع الأخير للأمانة العامة لاتحاد الصحافيين العرب الذي عقد في دمشق قبل أكثر من أسبوع لم يذكر في بيانه الختامي كلمة واحدة عن جريمة القتل الوحشية للكاتب الصحافي السعودي جمال خاشقجي.. سيضحك ويرد بأنك لا شك تسخر ليس إلا… ومع ذلك فهذا هو الذي حدث بالضبط!!
عن طيب خاطر، يمكن التجاوز عن عقد الاجتماع في العاصمة السورية بدعوة من اتحاد الصحافيين السوريين، وعن طيب خاطر مبرمج كذلك يمكن التجاوز عن لقاء وفد الأمانة العامة للاتحاد بالرئيس بشار الأسد الذي أشاد بــ «دور الإعلام الفاعل والمؤثر في مواجهة التنظيمات الإرهابية» وتقديم مؤيد اللامي رئيس اتحاد الصحافيين العرب «التهنئة للرئيس الأسد بما حققه الشعب السوري من انتصار كبير على الإرهاب في مختلف المناطق» وافتخاره بأن «الصحافيين العرب واتحادهم كانوا حاسمين بمواقفهم لتعرية الإرهاب والإرهابيين».
لا فائدة في التوقف كثيرا عند ما سبق، رغم أنه يمكن قول الكثير الكثير بشأنه، و لنتوجه مباشرة للبيان الختامي الصادر عن اجتماع الأمانة العامة ففيه يمكن العثور على المواقف الرسمية المصاغة بكل عناية و التي تلزم الاتحاد أكثر من مجرد مكان عقد الاجتماع و من مجرد أن «العادة جرت أن تلتقي الأمانة العامة المسؤولين الرسميين في البلد المعني بطلب من نقابة نفس البلد» وفق ما ورد في بيان نقابة الصحافيين التونسيين في معرض الرد على الغضب الشديد لوجود نقيبها ناجي البغوري ضمن هذا الوفد في نفس الفترة التي كانت فيه النقابة تقود تحركا مثيرا للإعجاب ضد زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى تونس.
أول ما يثير الصدمة خلو هذا البيان بالكامل من أي إشارة من قريب من بعيد، صريحة أو ضمنية، جلية أو ملتوية، مُـدينة بقوة أو بفتور، إلى مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول. لم يجد كل هؤلاء السادة الحاضرين من الصحافيين في دمشق ما يستدعي مجرد كلمة وكأن ما حدث جريمة حق عام في حارة شعبية بإحدى المدن البعيدة، بل وكأن الذي مات ليس صحافيا عربيا مرموقا، وكأن كل الاتحادات الصحافية المحلية والدولية لم تتناوله بالمرة ولم تقم بتحركات احتجاجية بشأنه.

بيان الصحافيين التونسيين يدعو إلى «الانسحاب فورا» من اتحاد الصحافيين العرب «بصفته جسما تابعا لأنظمة راكمت عقودا من استهداف حرية الصحافة، وهو ما لم يعد منسجما مع الوضع العام في تونس والمكتسبات التي تحققت منذ ثورة 2011»؟

هذه القضية التي هزت العالم كله لم ير لها الاتحاد أهمية تستدعي إدراجها في بيانه الختامي، ولو في سياق جملة اعتراضية ملتوية، مع أن هذا البيان اعتبر أن «جوهر عمل الاتحاد هو حرية الإعلام وترسيخ مفاهيم التعددية» ومع أن الأمانة العامة اعتمدت تقرير «لجنة الحريات» فيها الذي استعرض «واقع حرية الاعلام والعقبات التي تعتريها وكذلك الانتهاكات التي يجب أن تتوقف ضد الصحافيين ورفض سياسة الاعتقال وتكميم الأفواه».
للمفارقة أن نفس البيان الختامي أدان «الفعل الشنيع» المتمثل في «اعتداء القوات الإسرائيلية على وفدي الاتحادين العربي والدولي للصحافيين على مدخل مدينة القدس عاصمة دولة فلسطين».. وهذا يعني أن هذا «الاعتداء» الذي قد يكون ضربا بأعقاب البنادق أو إهانات لفظية أو غيره هو «فعل شنيع» أما تقطيع صحافي عربي أو «تجزئته»، وفق تعبير الادعاء العام السعودي، فأمر عادي جدا لم يبلغ بعد مستوى جدارة الإشارة إليه في البيان الختامي!! ولا يعرف بعد ما إذا كان اسم خاشقجي ستدرجه اللجنة أم لا، تلك التي تم تشكيلها «لوضع قاعدة بيانات كاملة لتوثيق حلالات الشهداء والجرحى (من الصحافيين) وملاحقة المجرمين وعدم إفلاتهم من العقاب».
ليس هذا فقط، بل إنه من غير الوارد، على ما يبدو، إدراج أسماء الصحافيين السوريين والعرب والأجانب الذين قتلهم النظام السوري في السنوات الماضية ضمن قاعدة البيانات هذه. بدا ذلك واضحا مما ورد في البيان الختامي من أن الأمانة العامة لاتحاد الصحافيين العرب «استمعت لتقرير اتحاد الصحافيين السوريين عن «جرائم الإرهاب بحق المؤسسات الإعلامية والصحافيين السوريين والتي ذهب ضحيتها أكثر من خمسين شهيدا صحافيا وعشرات الجرحى» دون ذكر ما عداهم أبدا. لا شك أن عددا من الزملاء الصحافيين والمصورين والنشطاء الإعلاميين سقطوا بأيدي تنظيمات مسلحة مختلفة وكذلك إرهابية مختلفة في سوريا، وهذا مدان ومستنكر دون شك، ولكن النظر فقط إلى هؤلاء، دون غيرهم، يتضمن تبرئة مجانية للنظام السوري من مسؤولية قتل أو جرح أي صحافي وهذا مجاف تماما للحقيقة، وفق كل الاتحادات الصحافية الدولية، والاتحاد العربي عضو في بعضها، ومنظمات حقوق الانسان الكبرى.
أما «فاكهة» البيان الختامي فهي تلك الفقرة في خاتمته من أن الأمانة العامة «تحيي انتصارات الشعب السوري على الإرهاب وتبارك أجواء السلام والمحبة التي تسود سوريا».
بعد كل ما سبق، كيف لك ألا تتعاطف مع ما جاء من بيان أصدره عدد من الصحافيين التونسيين يدعو إلى «الانسحاب فورا» من اتحاد الصحافيين العرب «بصفته جسما تابعا لأنظمة راكمت عقودا من استهداف حرية الصحافة، وهو ما لم يعد منسجما مع الوضع العام في تونس والمكتسبات التي تحققت منذ ثورة 2011»؟

القد س العربي

أربعاء, 05/12/2018 - 13:53