فنزويلا: صراع السياسة والاقتصاد 

سالم الكتبي

تحولت الأزمة السياسية في فنزويلا إلى اختبار جديد لتوازنات القوى العالمية بعد الدعم الأمريكي ـ اللاتيني لزعيم المعارضة الفنزويلية، خوان غوايدو، الذي أعلن نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد بدلاً من الرئيس نيكولاس مادورو، داعياً الأخير للتنحي عن منصبه. 

المشهد الدولي بات منقسماً حيال الوضع في فنزويلا، فهناك معسكر يضم دول عدة في مقدمتها الولايات المتحدة ومعظم جيران فنزويلا، يدعمون زعيم المعارضة، وهناك فريق آخر تقف على رأسه الصين وروسيا ويضم المكسيك فقط من بين دول الجوار الفنزويلي إلى جانب إيران وتركيا، يدعمون الرئيس مادورو، وبين الفريقين يدور صراع محتدم، حيث فازت واشنطن بأولى نقاط الصراع إثر انعقاد جلسة لمجلس الأمن بطلب من واشنطن لمناقشة الأوضاع في فنزويلا، وفشلت روسيا في منع عقد الاجتماع، لكنها اتهمت الجانب الأمريكي بدعم "محاولة الانقلاب" ووضع فنزويلا في صميم صراع جيوسياسي، كما نجحت روسيا والصين في تعطيل مشروع إعلان لمجلس الأمن الدولي اقترحته الولايات المتحدة، يهدف إلى تقديم "دعم كامل" للجمعية الوطنية الفنزويلية برئاسة غوايدو على أنها الجهة الوحيدة المنتخبة ديمقراطياً، وقالت موسكو، إن الدعم الأجنبي لغوايدو "يعد انتهاكا للقانون الدولي و يدفع بشكل مباشر باتجاه إراقة الدماء". 

هناك فريق ثالث يحاول إمساك العصا من المنتصف ويمثله الجانب الأوروبي، حيث دعت أسبانيا وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، مادورو إلى إجراء انتخابات في غضون ثمانية أيام، محذرة إياه من أنها ستعترف رسميا بزعيم المعارضة غوايدو رئيسياً ما لم يفعل ذلك، وهو ماقوبل برفض فوري من وزير خارجية فنزويلا، الذي اعتبر أن المطلب الأوروبي بمنزلة "إنذار نهائي" وأن بلاده لن تخضع لضغوط من اجل إجراء انتخابات، وقال "لا أحد سيعطينا مواعيد نهائية أو يملي علينا إجراء انتخابات". 

خرجت فنزويلا للتو من انتخابات الولاية الثانية للرئيس مادورو إثر إعلان فوزه بانتخابات قاطعتها المعارضة وشابتها اتهامات بالتزوير، وهي انتخابات وصفها وزير خارجية المملكة المتحدة، جيريمي هانت، بأنها كانت "مشينة للغاية"، وأكد وجهة نظره بأن مادورو "ليس رئيسا شرعياً". 

الحقيقة أن نظيرة المؤامرة راجت، كالعادة" في هذه الأزمة، حيث انتشرت تحليلات وتقارير حول رغبة إدارة الرئيس ترامب في إزاحة مادرور بسبب علاقاته الوثيقة مع روسيا وإيران، فيما اعتبرها آخرون بمنزلة "بروفة" لحرب أمريكية ضد إيران، ولكن الواقع يقول إن هناك حقائق على الأرض لا ينبغي تجاهله في فهم مايدور في هذا البلد المهم نفطياً، بما يمتلك من احتياطي هو الأضخم عالمياً. 

فالحقيقة ان وجود اكثر من 300 مليار برميل من النفط كثروة نفطية احتياطية لدى فنزويلا، وصادراتها النفطية التي تراجعت في الربع الأخير من عام 2018 لتبلغ نحو 5ر1 مليون برميل فقط يومياً، أي اقل من المعدلات التي بلغتها عام 2008 حيث كانت تصدر نحو 2ر3 مليون برميل، لم يشفع لها ذلك للابتعاد عن شعب الفقر، الذي يعاني منه معظم شعبها، فالنفط يوفر نحو 96% من الدخل القومي، وبالتالي فإن أي عقوبات أمريكية على صادرات النفط الفنزويلية ستكون لها تداعيات كارثية التي تعد أكبر مستورد للنفط الفنزويلي وتستقبل نحو 40% من صادرات هذا البلد النفطية. 

منذ أعوام مضت والاقتصاد الفنزويلي يعاني من التضخم الهائل، الذي توقع له صندوق النقد الدولي في أغسطس الماضي أن يبلغ مليون بالمائة، نعم مليون بالمائة، بعد ان حقق رسمياً في يوليو الماضي رقماً غير معهود مطلقاً وهو 82700 في المئة، حيث أصبح عملة فنزويلا "بوليفار" عديمة القيمة تقريبا، بعد تسجيل ركود اقتصادي شديد، ووصل سعر الدجاجة ـ على سبيل المثال ـ إلى نحو 14 مليون ونصف بوليفار أي ما يعادل 22ر2 دولار، وصول سعر كيلو الأرز إلى مليونين ونصف مليون بوليفار، ووصل سعر كيلو جرام من الجبن إلى سبعة ملايين و500 ألف بوليفار؛ وكي نعرف المعادلة وقصة المعاناة في هذا البلد النفطي، مع وقف التنفيذ، علينا أن نتذكر أن الرئيس مادورو قد قلص الحد الأدنى للأجور في أغسطس الماضي حيث كان يبلغ نحو ثلاثة ملايين بوليفار شهريا، أي ثمن كليو جرام من الجبن تقريباً! 

يعزو الكثيرين تأييد دول الجوار الفنزويلي لزعيم المعارضة باعتباره سيراً في ركب واشنطن ومواكبة لها لا أكثر ولا أقل، وقد يكون في تفسير الأمر شيء من ذلك، أو أن هذا سبب من الأسباب، ولكن علينا أن ندرك أن الأزمة العميقة في هذا البلد تنعكس على دول الجوار، التي تستقبل عشرات الآلاف بل وملايين من النازحين الفنزويليين بحثاً عن العمل والطعام، فقد هاجر الملايين إلى كولومبيا المجاورة، ما عكس سوء الإدارة والاعتماد المبالغ فيه على النفط كمصدر دخل وحيد للبلاد، حتى القضاء تماماً على قيمة العملة وعودة الأسواق إلى نظام المقايضات أو البيع بعملات أجنبية مثل الدولار! 

الركود الاقتصادي يلازم فنزويلا منذ عام 2014، والتضخم بات يلازم أخبارها، والرئيس مادرور أهدر السنوات في القاء اللوم على خصومه "الذين يشنون عليه حرباً اقتصادية" منذ توليه السلطة في عام 2013، ولكن الثابت أنه قضى وقت رئاسته الأولى في كسب صلاحيات سياسية يواجه بها المعارضة من دون القيام بأي إصلاحات اقتصادية حقيقية في البلاد ويصر على الدوران في فلك سياسات سلفه شافيز، موجهاً الاتهامات إلى "الامبرياليين" ومن يصفهم بالعملاء في الداخل! 

الحقيقة أن فنزويلا تمثل أزمة معقدة يغيب فيها السبب الحقيقي عن المواقف الدولية، حيث لا يعطي أي طرف من الأطراف التي تدعم الرئيس مادورو أي اعتبار لمعاناة شعب غادر الملايين منه بيوتهم بحثاً عن لقمة العيش في بلد أصبح الراتب الشهري فيه يوازي ثمن كيلو جرام واحد من الأرز. 

إيلاف

اثنين, 28/01/2019 - 13:40