هل يكون محمد ولد الغزواني أول مؤشر للتناوب الدستوري؟

أحمدو ولد المصطفى

في الأزمان الغابرة وقبل أن تكون الكلمة منارة كانت هناك لوحات إشارة يهتدي بها الناس للانتقال من مكان إلى مكان، تحمل رسالة على شكل إشارات بسيطة يفهمها الجميع. كانت ممارسة هذه المهمة تتطلب صفات معيّنة خاصة السلوك المطمئن الذي يكتسبه الشخص بنفسه أو من خلال الوراثة حيث تتناقلها الأسر جيلا بعد جيل.

دعونا نراهن على أن تعيين الجنرال محمد ولد الغزواني كمرشح لخلافة الرئيس الحالي في منصبه-والتي لم تكن المرة الأولى التي يتم فيها حصر تداول السلطة بين ضباط جيشنا الوطني- بمثابة لوحة إشارة للتناوب الدستوري. سيكون أمرا محزنا وقضاء على ديمقراطيتنا إن لم يكن كذلك.

وعلى أية حال ورغم ما يثيره هذا الأمر من التكهنات والتساؤلات في الوقت الراهن؛ فإن وزير الدفاع الحالي مؤهل للوصول إلى السلطة أكثر من أي مرشح معلن أو محتمل في الانتخابات الرئاسية المقبلة. والسبب بسيط، فلا يتطلب الأمر أن تكون رجل دولة حتى تترشح للرئاسة، لكن أن تكون قادرا فعلا على الوصول إلى كرسي الرئاسة فإن الأمر يتطلب قدرات أخرى. فإذا كان بالإمكان أن نرتجل مرشحا فإنه ليس بإمكاننا أن نرتجل مرشحا مؤهلا. فلا تزال هناك العديد من الشروط التي يتعين استيفاءها لتنظيم انتخابات نزيهة وشفافة؛ بعضها مرتبط بجوانب مؤسسية وبعضها بجوانب فنية وأخرى مرتبطة بمطالب المعارضة. فهل يرجع ذلك إلى عدم النضج السياسي لأطراف العملية أم إلى عدم رغبة الدولة في ذلك؟

فلا معنى للديمقراطية إذا لم يفرضها الكل، معارضة وموالاة، على أنفسهم كحتمية بدهية. وإلا فإن التناوب الديمقراطي سيكون مجرد خيال، كما أن الرجل المنقذ ليس له وجود في الانتخابات الرئاسية.

وفي المرحلة الحالية من تطور البلاد حتى لو تم تنفيذ كل الشروط المسبقة ولم تعد المعارضة ترى أي عقبة تقف أمام فرصها الانتخابية، تظل الشخصية الأسطورية، التي يحبها المناضلون ويرضى عنها رجل الأعمال اللامع الأجنبي على الساحة السياسية، عصية على الوجود.

والمناضلون وأولئك الذين يسيرون دائما في ركاب الأنظمة يجمع بينهم حب الخطابات الحادة والضوضاء، أما رجال الأعمال-الذين ليست لديهم دائما الموهبة السياسية- والناخبون الكبار وعامة المواطنين العاديين لا يحبذون الصخب والفوضى ويقفون في وجه من يسعون إلى القطيعة والحسم، فالوعي والالتزام السياسي ليسا من الصفات الأكثر انتشارا في بلدنا.

لكي نلحق بركاب التاريخ

هكذا إذن فإن المرشح المعيّن من طرف السلطة من المؤكد أنه سيكسب المعركة الانتخابية، لذلك فهو ليس بحاجة لكي يحمل ألوان حزب سياسي معين أو تحالفا حزبيا بل على العكس من ذلك فإن المناخ السياسي والضعف الاقتصادي يدفعنا لتجاوز المرشح الحزبي إلى مرشح يجمع الناس حوله. ويجب عليه بعد انتخابه أن تكون لديه قناعة سياسة واضحة ومعتدلة ومحاطا بأفضل الأطر في البلد سواء كانوا في المعارضة أو الموالاة إذا كان يريد لموريتانيا أن تلحق بركاب التاريخ من خلال إنجازات اقتصادية وإصلاحات سياسية ضرورية ستظل محفورة في الذاكرة الجمعية.

يتطلب هذا الطموح السياسي استغلال المهارات من جميع الاتجاهات، من خلال البحث عن الكفاءة وفي نفس الوقت إشراك جميع مكونات الشعب وتجنب منهج المصفقين المدمر الذي يعتمد على الشائعات والخطابات التي تقسم وتفرق، مع أن دعمهم وإعلاناتهم المتكررة لا تحمل أي فائدة ولم تعد تخدع أحدا.

إن ممارسة السياسة هي سلوك يعني الصعود إلى مستوى آخر على مختلف الأصعدة، وهي قضية شمولية لأنها ترتبط بمصير وطن برجاله ونساءه، وهي التي لم تكن بالنسبة لغالبية الفاعلين السياسيين على مدى الجيل الماضي على الأقل سوى مطية لتحقيق مصالح شخصية.

الآمال الخلّاقة

ولنراهن أيضا على أن الجنرال-حال انتخابه- سيكون ترجمة ملهمة لهذا التناوب غير المسبوق والتاريخي لكونه يشكل خطوة رمزية وحاسمة في اتجاه احترام الدستور، رغم أن بعض المتشككين الراديكاليين لا يرون فيها سوى مؤشر على التراجع. نأمل ونتفاءل بالرئيس القادم على صهوة الحصان الأسود للبؤس الذي تعيشه البلاد منذ أن تذوق العسكريون طعم تسيير الشأن العام وخاصة بعد أن تمكن المتملقون من التلاعب بهم لتدمير البلد ومؤسساته وجعله في ذيل دول العالم في جميع تصنيفات الحكامة. هذا المرشح-إذا انتخب- وبما أنه يمتلك الوسائل اللازمة، يمكنه أن ينتشل البلد من أسفل الترتيب ويفتح آفاقا أرحب تجعل الحياة ممكنة للجميع. تلك مشاعر الأمل التي تجمع المواطنين وتنزل عليهم السكينة عندما يتعلق الأمر بمصيرهم المشترك وهم يتعرضون لخطر شديد لا يخطر على بال.

لكن من الضروري والمهم للغاية وضع أهداف يتقاسمها الجميع ويقتنع بها مع منهجية الوصول إليها.  إن المسؤولين عن تنفيذ هذه الأهداف ينبغي أن يكون لديهم الدافع الذاتي للوصول إليها بقيادة الرئيس الذي يتمتع بالقناعة الصادقة والرؤية الواضحة للأهداف التي رسمها بنفسه وأن تكون قراراته تسير في هذا الاتجاه فهذا وحده ما يخلق الأمل بالتغيير.

لنتوقف عن استمرار تكرار الحاضر

يجب أن نتوقف عن الإعلان عن المشاريع التي لن ترى النور أبدا أو لن تكون كما أعلن عنه على الأقل من أجل جلب الأصوات للوصول إلى السلطة والبقاء فيها لفترة طويلة. لا تزال التجربة حية فينا وتلك هي طبيعة الدكتاتوريات التي تمارس القهر ولا تتوقف عن الحديث عن مستقبل أفضل. بالنسبة لهذا النوع من السلطة فإن الأمل هو مجرد دخان وخدعة لتنويم الشعب والقوى الحية فيه. ولا شيء أكثر بساطة من ممارسة الديكتاتورية لأنها لا تتطلب أي كفاءة استثنائية..

فما يبرر تغيير السلطة هو القناعة بأن المجتمع ليس محكوما عليه بأن يظل يدور في حلقة الحاضر المفرغة وكأنه ليس هناك شيء آخر يمكن القيام به. فلا فائدة من التغيير السياسي إذا لم يشعر المجتمع بأي تحسن. فلماذا نعبئ كل هذه الموارد من أجل تمكين المواطنين من تفضيل هذه السلطة على حساب السلطة الأخرى؟ عندئذ يتحول حق الاقتراع العام إلى مجرد طقوس دورية عقيمة.

صفات المرشح

بالنسبة لي فأنا على قناعة-اعتمادا على ما سبق وعلى ما لدي من فكرة عن الرجل- بأن الجنرال محمد ولد الغزواني سينتخب رئيسا للجمهورية وسيكون مختلفا عن شريكه الذي سبقه في شغل المنصب الرئاسي. وحسب أشخاص عديدين جديرين بالثقة عرفوا الرجل أو التقوه فإن لديه قدرة كبيرة على الاستماع ويتمتع بالكثير من الرزانة وضبط النفس وهو ما يدل على ما جُبل عليه من الحكمة وعلى التربية الصوفية التي ترعرع في محيطها. فسلوكه الجدير بالاحترام ولين الجانب يجعل محاوره في وضع مريح كما أن سمعته لم تتلوث بسلوك اقتصادي مستهجن سواء تعلق الأمر باستغلال النفوذ أو المتاجرة، يقال أيضا أنه يتحدث قليلا وبكلام في الصميم، وهو واحد من أفضل العقول بالمقارنة مع ضباط جيله.

وما ينبغي أن يكون واضحا أن الأمر لا يتعلق باختراع سمات لهذه الشخصية أو الترويج لها أو المساهمة في رسم صورة، فهي موجودة بالفعل. بل إنها ببساطة مسألة تحديد صفات رجل يستعد لحمل أعلى المناصب في الدولة ولديه القدرة على توجيه مصير البلاد نحو الأفضل أو الأسوأ. ومحاولة أيضًا لإبراز الخصائص التي يمكن أن تميزه عن الضباط الآخرين الذين لديهم نفس المسار والذين سيختفون جميعًا أو اختفوا بالفعل في غياهب ذاكرتنا الجمعية على الرغم من أنهم فعلوا ما يمكنهم فعله، ولكن ما قاموا به من إصلاح كان غير كاف أو محدود للغاية، وبالتالي فإن قلة من الناس يتحسرون عليهم. لقد كان خطأهم هو الاعتقاد بأن مجرد القدرة على القيادة أو القيادة كاف ليصنع رجل دولة أو يؤهل شخصا لكي يحكم.

في حين أن الحكم يتطلب قبل كل شيء فهم أهمية الرهانات السياسية التي تؤثر على المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للبلد ومواجهتها بتبصر مع توقع الاحتمالات الطارئة التي تفرضها، ويتطلب ذلك نزاهة فكرية وصرامة أخلاقية وهو ما يقود إلى الفضيلة وإتقان المهمة الأساسية في التوقع والتفكير الاستشرافي التي تمثل المهمة الأساسية للقائد وطاقمه النوعي.

هكذا إذن فإن المصداقية والنجاح  في هذا الميدان يقاس دائما بهاتين الصفتين الساميتين وهما الكفاءة والفريق المساعد. وسيتم الحكم على الرئيس المستقبلي من خلال الإجراءات الأولى التي سيتخذها فيما يتعلق بتوجهاته السياسية وتكوين فريقه.

أحمدو ولد المصطفى

داكار 17 فبرير 2019

خميس, 28/02/2019 - 11:33