ترامب.. ما بين جنون العظمة وحسابات السمسرة

 احمد سعيد

"جنون العظمة" هو وصف لحالة من وهم الاعتقاد حيث يبالغ الإنسان بوصف نفسه بما يخالف الواقع، فيدعي امتلاك قابليات استثنائية وقدرات جبارة أو مواهب مميزة أو علاقات مهمة ليس لها وجود حقيقي .

خير دليل على ما قيل آنفا هو الرئيس الامريكي دونالد ترامب وخير مثال كلمته التي القاها بالامم المتحدة فيما يخص انجازاته التي حققها اثناء فتره رئاسته وسخرية الحضور منه ما جعلته واجما للحظات ليستعيد توازنه بعدها ويخاطبهم بانه لم يكن يتوقع مثل هذا الموقف منهم. .

صادف اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب في الثامن من مايو 2018 انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الذي ابرم بين ايران من جهة ومجموعة خمسة زائد واحد من جهة اخرى، انطلاقا من جنون العظمة الذي ينتابه وتوهمه بانه سيخطو خطوة اخرى تصب في مصلحة بلاده ضاربا عرض الحائط التداعيات السلبية لهذا القرار، من تضعيف الجهود الدبلوماسية متعددة الاطراف للتفاوض بشأن أي اتفاق دولي جديد وتشويه صورة امريكا عبر تقويض مصداقيتها كشريك موثوق به فضلا عن التداعيات الامنية والقائمة تطول.

تصرفات وتصريحات ترامب تكشف بما لا يقبل الشك ان الرجل مصاب بجنون العظمة، فهو يؤكد دائما ان القرارات والخطوات التي اتخذها والانجازات التي حققها لا مثيل لها في تاريخ الولايات المتحدة وانه لم يسبقه اليها اي رئيس سابق . وبما ان الرجل واهم وفي نفس الوقت بتمتع بنزعة تجارية هي اشبه بالسمسرة، فانه مستعد لبيع كل شيء مقابل المال وان كانت مواقف مبدئية يأنف الانسان بفطرته السليمة ان يخرقها . اذا الرجل لم يخالف فطرته وانه يعمل على طبيعته بل انه يفكر بتجارة رابحة له، خاصة ان كانت هناك بقرة حلوب يتم حلبها باستمرار ماديا ويتم استغلالها سياسيا . قواعد الرجل في التعامل مع الاخرين ونظرا الى طبيعته النفسية مبنية على اساس مبدا (رابح-خاسر) فهو في جميع الاحوال يجب ان يكون الرابح والطرف الاخرى اما خاسر او على الاقل بلا ربح ومنفعة والا ستحز في نفسه ويعتبرها كخساره له . هناك من يخنع ويركع في مقابل مثل هذه النزعة، وهناك من يأنف ويترفع دفاعا عن حقه . دول البترودولار خير مثال على المجموعة الاولى . اما فيما يخص المجموعة الثانية وان كانت هناك دول اخرى الا ان الصفعة التي وجهتها ايران لامريكا بعد انتصار الثورة الاسلامية تجعلها في راس القائمة .

ترامب ومستشاره للامن القومي جون بولتون الذي يعادي ايران الى حد الهوس المرضي، خططا ونفذا كل ما بوسعهما خلال الفترة الماضية لتركيع ايران او على الاقل ارغامها على اتخاذ خطوة غير مدروسة تكون ذريعة جديدة لاتخاذ موقف سادي آخر تجاه ايران، لكن القيادة الحكيمة والخبرة السياسية التي يتمتع بها الفريق المفاوض على صعيد المفاوضات والتقليل من الازمات حال دون ترجمة هذا الحلم على ارض الواقع .

يقال ان الايرانيين لديهم "نفس طويل" وهذا هو سر نجاحهم في اي مفاوضات خاضوها، حتى الاتفاق النووي الاخير، فالجانب الامريكي اعتبره اسوأ اتفاق ابرمته بلاده، اما الجانب الايراني فقد اعتبره منذ البداية بانه نصر له، اذا باعتراف الجانبين، الاتفاق النووي كان لصالح ايران . لكن ايران وبعد انسحاب امريكا من خطة العمل المشترك الشاملة لم تتنعم بالمزايا التي كان من المقرر ان تحصل عليها في مقابل التزامها ببعض الامور المنصوص عليها في الاتفاق . ايران قامت بما عليها والاطراف الاخرى نكصت او تقاعست عن تنفيذ ما بعهدتها، اذا هنا يحين الدور الايراني ليرد على هذا التقاعس . مصدر قريب الصلة بلجنة مراقبة الاتفاق النووي بان ايران ستستانف قسما من انشطتها النووية المتوقفة في اطار الاتفاق النووي، وذلك ردا خروج اميركا من الاتفاق. اذا بدأت جولة اخرى من المواجهة المستمرة بين ايران وامريكا وبحسب المثل " أنا معاك والزمن طويل" .

الوفاق

أربعاء, 08/05/2019 - 12:39