أهازيج الملاعب الجزائرية تتغنى بفلسطين

 محمد شرقي

الأهازيج هي نوع من الكلمات والشعارات الموزونة والملحونة و المتناغمة ذات أسلوب سياسي ، تصدح بها حناجر جماهير عشاق كرة القدم في الملاعب والتجمعات والمهرجانات الجزائرية ، تكون عادة سياسية أو اجتماعية وقد تجمع الاثنين، فهي تعبير جياش لما تفكر فيه الجماهير في فضاءات  لا تطالها الرقابة ولا تكميم الأفواه من طرف الحاكم فهي تنفس لما يختلج في القلوب من مشاعر .

الأهازيج هي أيضا تعبير عن حالة رفض لواقع سياسي أو اجتماعي تعيشه جماهير الملاعب لا تكترث به الحكومات. هي أيضا لنصرة المظلوم ،والأهازيج هي أيضا للتعبير عن إعجاب وصمود قضايا عادلة ضد الطغيان كما هو الحال بالنسبة للقضية الفلسطينية العادلة التي تواجه بمفردها الاستبداد الصهيوني .

إن حب الشعب الجزائري لفلسطين جعله يضع هذه القضية في مقدمة اهتماماته ،أينما حل وأينما ارتحل يتغني بفلسطين بمناسبة وغير مناسبة ، وهذا هو ما حير الغرب والكيان الصهيوني خاصة المتابع لكل شاردة و ورادة لفلسطين عبر أصقاع العالم.

ينقل الجزائري معه القضية الفلسطينية أينما تواجد  فصارت رايتها ترفع كإيقونة في  الملاعب بالألف وحناجرهم  تصدح بالاهازيج طيلة ال 90 دقيقية مدة المقابلة محلية كانت أودولية.

لقد عجز علماء الاتصال الجماهيري وعلماء الاجتماع وعلماء النفس تفسير هذه الظاهرة الجزائرية الفريدة من نوعها التي لا تجدها لا في أي ملعب وخاصة العربية.

ومن بين الأهازيج التي تتردد في الملاعب كثيرا على الحناجر : فلسطين الشهداء.. فلسطين الشهداء.. فلسطين الشهداء..وهي الأكثر تداولا. فلسطين كرامتنا فلسطين عزتنا .. فلسطين كرامتنا فلسطين عزتنا ..خيبر خيبر يا يهود جيش فلسطين سيعود.. خيبر خيبر يا يهود جيش فلسطين سيعود…

وكل ما يصدح به من أهازيج تلقائية التأليف والتلحين يبقى متنفسا لهذه الجماهير لشفاء غليلها من الظلم الدولي لقضية فلسطين التي دبر لها هذه المرة “صفقة القرن” في محاولة ترامبية أمريكية لتصفيتها بالتعاون مع الخونة  .

إن مقابلة التي جمعت بين المنتخبين الاولمبيين الجزائري والفلسطيني 18يوم  فبراير 2016 بملعب 5 جويلية الاولمبي والتي حضرها 90 ألف شخص وانتهت بفوز “الفدائي” 1/0، عبر فيها الجمهور الجزائري عن مدى عشقه للقضية الفلسطينية لدرجة انه شجع المنتخب الفلسطيني ضد منتخبه الوطني. حيث رفعت الأعلام الفلسطينية بالألف كما حملوا يافطات تعبرعن التأييد المطلق للقضية الفلسطينية . سجلت هذه المقابلة مفارقة تاريخية في تاريخ المباراة التي تعد فريدة من نوعها لم يحدث لها مثيل في أي دولة في العالم لحفاوة الاستقبال والتشجيع ،لقد كانت هذه المقابلة الودية محل اهتمام وسائل الإعلام الأجنبية العالمية بما فيها العبرية بينت مدى ترابط الشعب الجزائري بقضيته الفلسطينية.

ما يزال الكيان الصهيوني يهتم بهذه الحالة الجزائرية وهو يحاول دراسة وتحليل أسباب تبني الجماهير الجزائرية للقضية الفلسطينية في الملاعب طبعا ، فلم يجد لها تفسيرا مقنعا .وقد حاول مركز الدراسات الاجتماعية بهرسيليا القيام برصد الآراء ،ثم ولج هذا المركز للمنصة الرقمية للبحوث الجزائرية لتحليل كل ما كتبه الباحثون الجزائريون فلم يجدوا سوى أن محبة الجماهير الجزائرية لفلسطين ،هي محبة وجدانية أخوية تذكر الشباب الجزائري بويلات 132 سنة التي عاشها أباهم وأجدادهم من قتل وحرق وتهجير وتدمير للبيوت والشرف والحضارة وهو ما تتلمذت عليه الصهيونية على يد ربيبتها الاستعمارية الفرنسية التي قتلت نحو عشرة ملايين جزائري منذ معركة نفران البحرية سنة 1827إلى سنة 1962 وحتى بعد الاستقلال قتلت قنابلها التي بقيت مدسوسة في الأرض ألاف الأطفال والشباب اثر انفجار ألغام الغدر عليهم لأنهم كانوا يعتقدون أنها  مجرد قطع نحاسية أو حديدية مرمية على الأرض من مخلفات الاستعمار حتى أن إحدى العجائز كانت تستعمل دون أن تدري قذيفة على شكل يد مهراس لدق بعض البقوليات الجافة لعدة سنوات كانت تداعبها في أعمالها المطبخية ، ومن حسن حظها أن القنبلة لم تنفجر بين أيديها 

إن الشعارات والأهازيج التي ظلت عفوية بداية سنوات استقلال الجزائر سرعان ما تطورت من شعارات سياسية مناوئة للحكومات المتعاقبة إلى شعارات الدولية وبالأخص شعارات مساندة فلسطين حتى أنها بدأت تزعج الحكومة الجزائرية وخاصة عندما تُذكر الجماهير بالعمالة والخيانة العربية وهو ما اثر حفيظة السفارة السعودية بالجزائر حينما فضحت صيحاتها  حميمية العلاقات السعودية الأمريكية على حساب القضية الفلسطينية في الوقت الذي كانت أمريكا فتحت سفارتها بالقدس الشريف واضطرت السلطات الجزائرية ممثلة في رئيس الوزراء، لتقديم اعتذار رسمي.

تبقى ” الأهازيج” ذات الطابع السياسي متنفسا سياسيا لكل ما يدور من أحداث وطنية أو دولية ودليلاً على أنّ الجماهير ذات شعلة  لا تقوض أحلامه ولا حياته والأحلام، رغم ما يعانيه من تهميش وبطالة وغبن اجتماعي .

رأي اليوم

اثنين, 10/06/2019 - 11:37