ترامب «المزعج» لأنصاره وخصومه!

محمد كريشان

لعله الكلام الأكثر تهذيباً الذي يمكن أن يقال عن الرئيس الأمريكي: «ترامب يملك شخصية مختلفة عن تلك التي يتمتع بها أغلبية السياسيين في واشنطن، وأعتقد أن الخلفية غير السياسية لدى ترامب تفسر مقاربته المختلفة في التعاطي مع القضايا السياسية».
إذا أردنا أن نقول المعنى نفسه بعيداً عن تهذيب تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية، في لقائها قبل يومين مع تلفزيون «بي بي سي» فإن الجملة قد تصبح كالتالي: ترامب لا علاقة له بالسياسيين الذين نعرفهم في واشنطن، ولا علاقة له بالسياسة أيضاً، وهذا ما يفسر شطحاته المختلفة في القضايا السياسية.
طبعاً، كلام تيريزا ماي لا علاقة له بالضجة التي أثارها الرئيس الأمريكي مؤخراً بتغريدته التي طالب فيها أربع نائبات ديمقراطيات بـ«العودة» من حيث أتين، ولكنه يزيد من وجاهة تقييمها للرجل وتغريدته التي بلغت به حد اتهامه بالعنصرية مع مطالبات بإقالته.
لا أحد من القادة السياسيين في العالم مثل ترامب في حرصه على استفزاز الداخل والخارج على حد سواء، وعلى إحراج أنصاره ومنتسبي حزبه الجمهوري، وزيادة حجم الغيظ لدى خصومه الديمقراطيين، وعلى الدخول في مناكفات لفظية مع حلفائه الأوروبيين، تارة مع الفرنسيين وتارة أخرى مع البريطانيين، كما حصل مع السفير البريطاني في لندن الذي اضطر للاستقالة بعد ما وجه له الرئيس الأمريكي أقذع النعوت رداً على ما تسرب من كلام السفير بخصوصه، وقبله رئيسة الوزراء ماي نفسها.
وإذا كان ما يقوله ترامب بخصوص دول مثل إيران أو كوريا الشمالية أو فينزويلا وقادتها، من قاسي الكلام أمراً مفهوماً، في سياق ما بينها وبين بلاده من عداوة قديمة متجددة، إلا أن ما قاله وكرره مراراً مثلاً في حق المملكة العربية السعودية وملكها مسيء ومهين إلى أبعد الحدود، ومن الصعب فهمه أو هضمه من «حليف استراتيجي» تجاه حليفه!!
اختلفت ردود الفعل على ما قاله في حق دول عديدة ورموزها. منها من رد بمثله أو أكثر، مثل إيران، ومنها من بلع الإهانة ولم يعقب، مثل السعودية. مع ذلك، القاسم المشترك بين جميع من أساء إليهم، بدرجات متفاوتة، هو الشعور الثقيل بأنهم أمام رئيس أمريكي غير مسبوق أبداً وليس من السهل العثور على الطريقة المثلى للتعاطي معه.

ترامب لا علاقة له بالسياسيين الذين نعرفهم في واشنطن، ولا علاقة له بالسياسة أيضاً، وهذا ما يفسر شطحاته المختلفة في القضايا السياسية

لو أُنشأ مرصد عالمي لمتابعة أكثر الرؤساء حديثاً وإبداء للرأي يومياً، وفي كل شيء، فلن يكون الحائز على الترتيب الأول سوى رئيس اسمه دونالد ترامب. ربما ينافسه في هذا الترتيب أو يتبعه مباشرة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، لكن هذا الأخير يفضل الخطب أمام الجموع الغفيرة على غيرها من المناسبات الأخرى، فيما لا يمانع ترامب في ذلك طبعاً، لكنه مع إضافة تغريداته المتلاحقة، ودردشاته مع الصحافيين على أبواب البيت الأبيض، أو وهو يهم بالصعود إلى الطائرة أو ينزل منها، فضلاً عن مقابلاته التلفزيونية المتلاحقة.
لن يوجد رئيس في العالم يغرد كما يغرد ترامب، ولا يصرح عدد المرات التي يصرح بها، ولا عدد المقابلات التي يعطيها لصحف ومجلات وتلفزيونات أمريكية بالدرجة الأولى وغيرها. وطبعاً، كلما تحدثت زادت احتمالات الخطأ، وكلما غرد غاضباً، وهذا ما يفعله في الغالب، تضاعفت إمكانية خروج كلام قد يضطر لاحقاً لتوضيحه أو تصحيحه، أما الاعتذار فلا مكان له في قاموس الرئيس الأمريكي.
كانت هناك في السنوات الماضية زعامات سياسية اشتهرت بخروجها عن المألوف من كلام رصين موزون ومحسوب من أمثال العقيد الراحل معمر القذافي والرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد والرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز وقبلهم الزعيم الكوبي الراحل فيدال كاسترو أو حتى رئيس زمبابوي السابق روبرت موغابي، لكن دونالد ترامب شخصية أخرى مختلفة تماماً. تفوق على هؤلاء جميعاً في كثير من النواحي، لكن ما يجعله الأكثر تميزاً على الإطلاق هو أنه ببساطة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأقوى في العالم.
ربما مرور ترامب بعالم الإعلام وعمله كمذيع شهير لبرامج تلفزيونية جماهيرية، مع انتمائه لعالم الأثرياء ورجال الأعمال هو ما طبع شخصيته بشكل كبير، كما طبعت شخصية الممثل في أفلام رعاة البقر شخصية الرئيس رونالد ريغن (1981-1989). هنا، قد نستحضر ما قاله عن ترامب الممثل العالمي «ريتشارد غير» حين وصف ترامب في مقابلة صحافية بأنه «رجل لا يهمـــــه سوى الشهرة و«الريتينغ»، موضحاً أكثر بالقول إن ترامب في الواقع هو «رجل إعلام قبل أن يكون سياسياً، ويرى الأمريكيين جمهوره (..) لذلك فالانتصار بالنسبة إليه هو تحقيق الشهرة لا فعل الأمور السليمة وتحقيق أكبر قدر من الأحلام أو مواجهة المخاوف والتحديات بجودة أفضل».
المشكلة هنا أنك وأنت تبحث عمن ينتقد ترامب لن تعثر عمن يدافع عنه، مع أن أنصاره الأمريكيين ليسوا قليلين. الرجل محرج بالنسبة إليهم كذلك، حتى وإن أيدوه بالكامل، حتى وإن ذهبوا للتصويت له من جديد.

القد س العربي

أربعاء, 17/07/2019 - 11:08