
موريتانيا: الاستمرار في التقدم أو الغوص في الرمل؟
وصلت موريتانيا إلى نقطة محورية في عملية التحول السياسي بعيد انقلاب 2008. فموريتانيا تقع على خط التماس بين بلدان المغرب العربي في شمال أفريقيا و دول الساحل جنوب الصحراء. و لأن موريتانيا ليست بلدا عربيا بالكامل و لامن إفريقيا السوداء بالكامل، يقع الكثير في الخطأ عندما يعتقدون أن دور البلد دور ثانوي.
وإذا ما نجح قادة موريتانيا في اتخاذ القرارات المناسبة حول ثلاث قضايا مهمة، يمكن للبلد أن يصبح رائدا في المجال الديمقراطي في منطقة المغرب العربي والساحل، مثل ما هو رائد في مكافحة الإرهاب. و هذه القضايا الثلاث هي: احترام الدستور الموريتاني، و الدخول في شراكة كاملة مع المجتمع المدني، وتجديد المؤسسات في البلاد من خلال مشاركة جميع الأحزاب السياسية في الانتخابات المقبلة.
وتتعلق القضية الأولى بإمكانية إجراء تعديل دستوري من شأنه تمديد فترة ولاية الرئيس. لقد تمت إعادة انتخاب الرئيس محمد ولد عبد العزيز للمرة الثانية سنة 2014. قاطعت معظم أحزاب المعارضة التقليدية هذه الانتخابات. وقد شكل ذلك إرباكا لدى الحزب الحاكم الاتحاد من أجل الجمهورية.(UPR) فلدى صياغة التعديلات الدستورية تم وضع موريتانيا على مسار إيجابي لمرحلة ما بعد الانقلاب وذلك بالقيام بتغييرات دستورية تعهد الرئيس باحترامها في قسمه لدى تسلمه مهامه الرئاسية. ويشكل ذلك موقفا قويا لمواصلة التقدم الديمقراطي في البلاد من خلال الإشراف على انتقال السلطة من رئيس منتخب إلى آخر في نهاية ولايته في 2019. في الآونة الأخيرة، سمعت اصوات متزايدة، ومعظمها صادر عن أنصار الاتحاد من أجل الجمهورية، تدعو إلى تمديد فترة الرئيس من ولايتين إلى ثلاث. ويقول أنصار هذا الحزب إن هذا التعديل يعزز الاستقرار في البلاد وخاصة في وقت تواجه فيه ضغوطا متزايدة بسبب التباطؤ الحاد للنمو الاقتصادي. لكن هذا سيكون قرارا خاطئا لأنه يحيد البلاد عن مسارها الديمقراطي. ووفقا للدستور، لا يمكن تعديل المواد الخاصة بتحديد فترة الولاية الرئاسية. كما أن عدم احترام النظام الدستوري من شأنه أن يؤدي الى تصاعد التوتر السياسي وإلى مزيد من التأخر في عملية تجذير المؤسسات الديمقراطية في الوعي الجماعي الوطني، والذي هو علامة على وجود ديمقراطية ناضجة. لم يدع الرئيس عزيز لإجراء أي تغيير في عدد المأموريات. و لديه فرصة تاريخية ليصبح أول رئيس يشرف على انتقال السلطة بين رئيسين منتخبين ديمقراطيا خلال خمسة وخمسين عاما من تاريخ موريتانيا.
والمسألة الثانية هي مشروع قانون الجمعيات الذي من شأنه أن يحد بشكل كبير من عمل المجتمع المدني الموريتاني النشط. منذ انتخابات عام 2009، عرف المجتمع المدني في موريتانيا تطورا حاسما على طريق تنمية البلاد. فالنمو الديمغرافي للشباب الموريتانيا والبطالة بين أفراده أهل المجتمع المدني ليلعب دورا محوريا في التنمية البشرية و ذلك بتوفير فرص للتعليم ودمج الشباب ومنعه من الاستجابة للدعوات المتطرفة. لقد كانت موريتانيا آخر دولة في العالم تحظر رسميا وتجرم ممارسة الرق. و على الرغم من أن قادة موريتانيا يستحقون الثناء على الجهود التي بذلت مؤخرا من أجل تعزيز القوانين والمؤسسات لملاحقة ومعاقبة مثل هذه الممارسات، فإن الاستغلال القسري للإنسان في العمل لا يزال موجودا ويتطلب التغيير الثقافي والسلوكي على المدى الطويل. لكن الدولة ليست في وضع يمكنها من التصدي لهذه التحديات الكبيرة بمفردها. بدلا من ذلك، يجب تمكين شبكة المنظمات النشطة لمكافحة للعبودية في موريتانيا والجهات الفاعلة في المجتمع المدني من المساعدة في وضع حد لهذه الممارسة، بتنسيق مع مؤسسات الدولة. إن مشروع قانون الجمعيات بصيغته الراهنة من شأنه أن يضع شروطا صارمة ومجحفة بالمجتمع المدني فيما يتعلق بالتسجيل والتصريح بالأعمال وإعداد التقارير المالية. كما يحد من قدرة المنظمات الدولية على تقديم المساعدة للمجتمع المدني الموريتاني. ويبدو هذا القانون و كأنه كتب في القاهرة بدل انواكشوط لأن من شأنه أن يحقق نفس النتائج المرجوة منه في مصر لما يتسبب فيه من تعطيل لعمل المنظمات وإسكات لأصوات المعارضين. وبدلا من المضي في هذا الطريق قصير النظر، يجب على قادة موريتانيا اعتماد قانون الجمعيات الإيجابي الذي وضع في عام 2007 وفقا للمعايير الدولية و الذي من شأنه أن يضع موريتانيا في موقع القيادة في كل من منطقة الساحل والمغرب العربي.
وتتعلق القضية الرئيسية الثالثة في المشاركة الكاملة لجميع الأطراف السياسية في البلاد في العملية الديمقراطية. وبما أن بعض أحزاب المعارضة الرئيسية في موريتانيا قاطعت الانتخابات المحلية والبرلمانية الأخيرة في عام 2013، فإن المؤسسات المنبثقة عن هذه الانتخابات لا تمثل إلا جزء من الطيف السياسي الموريتاني، وحرمت البلاد من الأصوات الأساسية للطيف الآخر. لقد حاول الرئيس عزيز سد هذه الثغرة من خلال السعي إلى بناء توافق وطني مع جميع الأطراف السياسية الفاعلة في البلاد عن طريق الحوار. لكن بعض أحزاب المعارضة الرئيسية ترفض حتى الآن هذه الفكرة. ومن أجل تحريك العملية إلى الأمام، ينبغي على الرئيس أن يقدم اقتراحا بتنظيم انتخابات مبكرة على المستويات المحلية والبرلمانية على أساس اتفاق تشارك فيه جميع الأطراف السياسية الرئيسية. تعتبر موريتانيا واحدة من أقل البلدان نموا في العالم حيث تحتل المرتبة 156 من أصل 188 في مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة لعام 2015. إن ما لا يقل عن اثنين وأربعين في المئة، من سكان البلد يعانون من الأمية. فتقدم البلاد متعثر بسبب الممارسة البغيضة للعبودية والآن تواجه أزمة اقتصادية محتملة بسبب انخفاض الأسعار العالمية للحديد والذي هو أكبر صادرات موريتانيا. هذه الظروف تجعل من المستحيل المضي قدما في الإصلاحات السياسية الصعبة والحكم الرشيد. ومع ذلك، فإن الأزمة التي قد يواجهها شعب موريتانيا خلال السنة أو السنتين المقبلتين تجعل من الضروري للغاية أن يقوم قادة البلاد بخلق أوسع توافق ممكن للتعامل مع هذه المشاكل، وذلك بتشجيع المجتمع المدني على أن يكون شريكا و بالالتزام بسيادة القانون في هذه العملية.
إن نجاح موريتانيا في هذه التحديات الثلاثة يؤهل موريتانيا لتكون رائدة في منطقتي الساحل والمغرب العربي وأن تستفسد من زيادة الاهتمام الدولي بها ومن تضاعف الدعم لها ومن إمكانية الاستفادة من برامج تمويلية مثل برنامج مؤسسة تحدي الألفية (MCC). فإضافة إلى التقدم الملحوظ في مجال الحقوق السياسية وحقوق الإنسان، يمكن لهذه التدابير أن يكون لها تأثير إيجابي عميق على مناخ الأعمال في موريتانيا وعلى تشجيع الاستثمار الأجنبي والتنويع الاقتصادي، التي تعتبر عناصر مهمة لتحقيق نمو أي بلد. لكن الفشل في اتخاذ مثل هذه التدابير يضع موريتانيا عكس الاتجاه و ينذر بخطر الغوص في الرمال لفترة طويلة قادمة.
سكوت ماستيك مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الجمهوري الدولي (IRI). سبق وأن زار موريتانيا الشهر الماضي لتقييم إمكانية بناء شراكة تنموية بين المعهد الجمهوري الدولي و موريتانيا.