نأمل ألا يتعدى ما حدث بين الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند ورئيس حكومتنا حيدر العبادي كونه اختلافاً في الرأي ناجماً عن اختلاف في زاوية النظر أو في تقدير الأمور تجاه قضية تهمّ دولتينا، وألا يستثمره سياسيو الصدفة للتأليب ضد دولة صديقة وتعكير العلاقات بين البلدين والحكومتين.
فرنسا عضو فاعل في التحالف الدولي الذي يخوض معنا الحرب ضد (داعش)، بل ربما كانت أكثر دول التحالف حماسة في هذه الحرب التي يتعيّن الا تنتهي قبل خلاصنا التام وسائر شعوب المنطقة والعالم من هذا الخطر الماحق، وهذا لن نستطيع وحدنا إنجازه في الظرف الراهن، وعلى المدى المنظور.
الرئيس أولاند لم يكفر في الواقع، فهو لاحظ ان قواتنا المسلحة بطيئة في تحقيق تقدم في عملياتها الحربية لتحرير المناطق التي يحتلها داعش، فدعاها الى بذل المزيد من الجهد لإظهار أنها قادرة على تحقيق النصر على داعش، مشيراً الى ان الضربات الجوية لطائرات التحالف لن تحرر المناطق المحتلة، وانما تقدّم قواتنا البرية على الأرض هو الذي يحقق ذلك. وقد ردّ السيد العبادي بالتأكيد على ان قواتنا قد حققت تقدماً في عملياتها .
الكثيرون منّا ،نحن العراقيين، يشاطرون الرئيس الفرنسي ملاحظته .. حتى الآن لم نلحظ اختراقاً أو تقدماً جوهرياً لقواتنا البرية .. نعم، ثمة تقدم ولكنه بطيء .. نحن نعرف ان هذا البطء متوقع، لأن الحياة الداخلية لقواتنا لم تكن، على مدى سنوات عديدة، سليمة، وهذا هو السرّ في انها لم تستطع التصدي للإرهابيين يوم اجتاحوا الموصل وتكريت والرمادي وعشرات المدن والبلدات الأخرى التي لم يتحرر أيّ منها بعد، وقد مرّت على احتلالها خمسة أشهر.
قد لا يكون الرئيس أولاند على إطلاع كاف على هذه الحقيقة، وهو بالتأكيد، كما زعماء الدول الأخرى المكوّنة للتحالف، يرغب في أن يقدّم الدليل لشعبه بان ما توفره حكومته لنا من دعم عسكري مكلف يُمكن أن يؤتي أكله ولا يذهب هباءً منثورا.
أظن انه بهذا المنطق وبهذه الروحية ينبغي النظر في تعليق الرئيس الفرنسي، وليس بالمنطق والروحية اللتين عبّر عنهما أحد نواب ائتلاف (دولة القانون)، عندما قال في تصريح صحفي ان "تصريحات الرئيس الفرنسي بحق القوات الأمنية تدخل ضمن الحرب الإعلامية والنفسية التي تستهدف نجاحات القوات الأمنية وأبناء العشائر وقوات الحشد الشعبي التي أثبتت فاعليتها في محاربة داعش"!!
هذا كلام لا قيمة له في الواقع لأنه بلا معنى، ففرنسا ليست داعش ورئيسها ليس خليفة داعش، والنجاحات التي يتحدث عنها عضو برلماننا ليست بالحجم الذي نتطلع اليه، ولا بمستوى عشرات مليارات الدولار التي كنا ننفقها سنوياً على قواتنا المسلحة. في المئات من المدن والبلدات والقرى التي يحتلها داعش ملايين من العراقيين الذين يعانون أشدّ المعاناة، ومثلهم يكابد نحو مليوني نازح ومهجّر، وهؤلاء جميعاً ونحن معهم نتطلع الى أن تحقق قواتنا انتصارات ذات قيمة تُرغم داعش على الاستسلام أو الفرار الى ما وراء الحدود في أقصر مدة، من أجل إنهاء محنتنا المتفاقمة.