بين القوميين والإسلاميين (رأي حر)

اثنين, 2015-11-16 16:49
الكاتب محمد مصطفى باب أحمد

أعادت أحداث الربيع العربي من جديد إلى الواجهة الصراع المتجذر بين القوميين والاسلاميين فالجذوة التي ما فتئت تنطفئ بين الجانبين عادت جذعة مع بزوغ أمل الدمقراطية الذي وجد القوميون أنفسهم خارجه بفعل الشعوب التي لم تعد تثق في عاطفة عرقية لم تجن من ورائها ما أملته عقودا عدة وتزامن ذالك مع صعود الإسلاميين إلى مشهد ربيع الثورة وهم القادمون من زنازين السجون و شتات المنفى، هو التقاء إذا بين الظلم الاجتماعي والظلم السياسي أنشأ حنينا بين الشعوب العربية والاسلاميين من جديد.

ربما ليست مواطن الالتقاء بين القوميين والاسلاميين بالكثيرة تاريخيا على الأقل فرغم ما يردده ميشل عفلق في مقولته الشهيرة أن العروبة جسد روحه الإسلام إن أكثر نكبات هذه الفئة كانت على يد الزعماء القوميين ، قد يكون عامل بروز التيارين كقوة رئيسية في الشارع العربي ما بعد الاستقلال وراء الصدام المستمر بينهما لكن ثمة دور آخرلعبته خلفية النشأة في تعميق هوة الخلاف بين الاثنين فبينما كانت الفكرة القومية محاولة للوقوف في وجه المد التركي أو ما سمي حينها "بالطورانية التركية" كانت المشروع السياسي الإسلامي استعادة لهيبة يرى أنها هي الضامن لعقد المجتمع والتي تكمن في مشروع الخلافة الذي توارى بعد سقوط الدولة العثمانية .
إن وقوف معظم القوميين في وجه تيار الحرية الذي جلبه الربيع العربي لا يكون أمرا غريبا حين العودة إلى تاريخ الممارسة السياسية التي أنتجتها تجربتهم فصناعة الفرد المستبد هي واقع مر ظل ماثلا في كل البلدان التي عرفت منحنى القومية وسارت فيه.

ليس القوميون إذا بالصديق الحميم للدمقراطية وإن ظلو يصرون اليوم على توجيه ذات السؤال بإلحاح  للاسلاميين  والتشكيك في نواياهم اتجاهه.

لعل الحديث المتكرر عن خطيئة الاسلاميين في إدارة الحكم بعد الثورات الأخيرة قد انقلب من اعتراض على الأسلوب إلى تشكيك في الوسيلة بلغ حد التخندق مع جلاد الأمس استجداء لحظوظ لم تفلح الصناديق في إدراكها،

إنما يجب أن يدركه الإسلاميون أنهم أمام مجتمع لفظ القومية التي آوت إلى عاطفة معزولة عن العيش الكريم وحرية محفوظة لذا لن يكون من التعقل الركون إلى التوجه الإسلامي كسند لكسب ود هذه الجماهير العربية ، بل إن الأولوية ينبغي أن تكون للثقة السياسية المتذبذبة داخل وجدان الضمير العربي ولن يكون ذالك إلا بالالتفات إلى الجانب الإقتصادي والعمل على حل معادلة "القوت" وهنا يتوجب الإقراربفقر يلاحق التيارات الاسلامية في الجانب الاقتصادي سواء بانعدام الرؤية أحيانا أو بعدم الفاعلية أحيانا أخرى.

صحيح أن الفكر القومي قد اتكأ على الاشتراكية في تنظيره الاقتصادي وعلى الليبرالية كمرتكز في الحياة العامة لكن الصحيح أيضا  أن مساحة النجاح داخل المجتمع ظلت رهينة  الصراع مع الجبهة الخارجية أكثر مما كانت تجسيدا لمقولات ماركس وجون لوك فقضية فلسطين التي مثلت إحدى المفاصل التي أصيب قيها المد القومي بعد نكسة سبعة وستين تحول الأمر فيها من رغبة اقتلاع وانتزاع إلى مطلب تعايش وبقاء ، وضع كهذا حمل إشعارا بضرورة الألفة بين القوميين والاسلاميين فجاء المؤتمر القومي الاسلامي كمؤشر على هذا التقارب لخدمة القضية المركزية في فلسطين ،إلا أن محاولات التقارب تلك يبدو أنها لم تفلح في جس الهوة بين الفريقين فلعبة نقض الربيع العربي التي امتطاها القوميون ضد خصوم الأمس بلغت بهم حد الوقوف مع الصهانة عدو العروبة الأول كان من آخر تجليات ذالك تصويت النظام المصري- الذي اعتبره بعضهم إعادة لذكريات يوليو والضباط الأحرار- لصالح عضوية الدولة العبرية في لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالاستخدام السلمي للفضاء ثم لا نسمع من هيكل ورفاقه اعتراضا ولا استهجانا .

إن على القوميين الاعتراف بخطئهم التاريخي والتقديري ضد الاسلامين وأن يخرجوا من عقدة الذات في زعامة المشهد العربي كما على التيار الإسلامي تجاوز ذالك الماضي الدامي وبذل يد الإخاء والطمأنينة للجميع.