لم أكن أعرف السيد السفير سيد محمد ولد ببكر قبل مجيئه إلى القاهرة سفيرا للجمهورية الإسلامية الموريتانية ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية .
لقد كنت أسمع الكثير عن السيرة المهنية الناصعة للرجل يوم كان وزيرا للمالية ويوم كان وزيرا أول كما كنت أسمع من جاليتيْنا في فرنسا وإسبانيا عن وطنيته وإخلاصه وتفانيه في خدمة الوطن والمواطن وبعد أحتكاكي به وجدته كما وصفه القاضي الأديب / احمد ولد المصطفى : "يتمتع بهدوء تام، ولياقة دبلوماسية عالية، وأخلاق رفيعة، ولديه قدرة فائقة على التعامل مع الجميع بغض النظر عن مستوياتهم، ويمسك بملفات العمل المختلفة كأنه متخصص في كلها.." لذا:
• لم أتفاجأ بما حققه للجالية هنا ،طلابا ومقيمين، وما حققه للدولة الموريتانية على الصعيدين السياسي والثقافي خلال مأموريته القصيرة في جمهورية مصر العربية.
• لم أتفاجأ بالروح التي نفخ في العلاقات الثنائية بين مصر وموريتانيا ، إِذْ لم يكن يمر يوم دون أن أسمع عن وفود وزيارات متبادلة تخدم شتى المجالات : السياسية ، الثقافية ، الصحية، الإعلامية و الأمنية ... وذلك على الرغم من الجو السياسي العكر الذي كان يسود المنطقة العربية يومها.
• لم أتفاجأ بنفضه الغبار عن مندوبيتنا في الجامعة العربية التي كانت مركونة في زاوية النسيان " لا تستشار إذا حضرت ولا تتذكر إذا غابت " ، فأصبحت بفضل علاقاته المتميزة ودبلوماسيته الناجحة مندوبية حاضرة على الساحة ، تناصر وتشاقق ، تنسق وتقاطع ، تبارك وتشجب ، توافق وترفض ، تحذف وتضيف .
• لم أتفاجأ بتدخلاته المظفرة لفتح أبواب المؤسسات التعليمية المصرية أمام شبابنا حيث تضاعف عدد الطلاب الموريتانيين في المعاهد والجامعات والأكاديميات مستفيدين من التسهيلات المشجعة التي مُنحت لهم في عهده.
• لم أتفجأ بإيوائه الطلاب الموريتانيين وعائلاتهم يوم زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ، يوم أنهار الأمن المصري خلال ثورة يناير 2011 ، يومَها أستطاع بمصداقيته أن يقنع السلطات الموريتانية بضرورة إرسال طائرة لإخلاء الجالية إلى أرض الوطن فكانت هي المرة الأولى التي تُستنفر فيها وسيلة نقل لنجدة جالية موريتانية منكوبة في الخارج ، وهاهي تَبقى إلى اليوم سنة حسنة مُتبعة كلما وُجدت جالية من جالياتنا في مأزق أستُنفرت لها طائرة خاصة.
ثم إنني لم أتفاجأ بمرافقته لقافلة الطلاب والجالية إلى مطار القاهرة في تلك الظروف الأمنية الشديدة الخطورة حيث كانت سيارته تمر تحت فوهات المدافع وسبطانات الدبابات وبين حواجز البلطجية ومتاريس المتظاهرين ، في الوقت الذي كان نظراؤه يختبئون في بيوتهم خوفا على أرواحهم .
• لم أتفاجأ بالجسر البري الذي أقامه لنقل مئات الموريتانيين الفارين من جحيم القتال في ليبيا أيام الثورة الليبية وتدخله المثمر لدى المنظمات الحقوقية والدولية لنقل هؤلاء إلى أرض الوطن دون أن تتكلف الخزينة الوطنية أوقية واحدة في نقلهم. كما أنني لم أتفاجأ بتأمينه الغذاء والدواء لهاؤلاء طيلة إقامتهم في مطار القاهرة دون كلل أو ملل.
• لم أتفاجأ ببحثه المضني في مكتبات الأزهر الشريف ولقاءاته المتكررة مع مشيخته بحثا عن أي أثر للعلماء الشناقطة الذين مروا من هنا خصوصا جبل العلم الشامخ/ محمد محمود ولد أتلاميد.
• لم أتفاجأ بقبوله عضوا في صالون الثقافة العربي الذي لا يَقبل في عضويته إلا صفوة الصفوة من فطاحلة أدباء وشعراء وسياسيي العالم العربي أمثال الدكاترة: يحي الجمل ، مصطفى الفقي ، قيس العزاوي ، صلاح فضل ، جابر عصفور والإعلامي العالمي محمد الخولي.... هذا الصالون الذي جعل منه منبرا للتعريف ببلادنا سياسة وثقافة وهوية وتاريخا، الأمر الذي تناقلته أقلام كبار الكتاب والمفكرين على صفحات الدوريات الأدبية والمجلات السياسية والمواقع الألكترونية في كل من مصر والعراق ولبنان .
>> لقد فتح السفير سيد محمد بيته وقلبه وهاتفه للجالية ، ساوى في ذلك بين الطالب والزائر والعابر وموظفي السفارة والجامعة العربية والمنظمات الدولية والعائلات المقيمة، فأستطاع ، بأخلاقه وتواضعه وبشاشته، أن ينسج بين هاؤلاء وأؤلئك خيوط المحبة والإخاء والألفة فعم التوادد والتكافل والإنسجام منذ أعتماده.
الآن وقد ترجل الرجل مرفوع الهامة ولم يعد في محاباته مغمز يُخشى فإني أرى أن أقل واجب على من عايشه واطلع على وطنيته وإخلاصه وتفانيه في خدمة الوطن أن يسجل للتاريخ شهادة في حقه .
سئل حكيم يوما من تعز من الناس فقال :" مَنْ أخلاقه كريمة و مُجالسته غنيمة ونيته سليمة ومفارقته أليمة .. كالمسك كلما مر عليه الزمن طاب ريحه وزادت قيمته "
هكذا كان السيد سيد محمد ولد ببكر وهكذا سيظل.
أسأل الله لي وله التوفيق.