كأننا نتعلّم! احتراق التلاميذ!

أحد, 2014-11-09 21:50
فاطمة ناعوت

احذرْ أن تطأ الأرضَ بقدمِك، ثمة أشلاءُ أطفالٍ فى كلِّ موطئ قدم.

بدأتُ الأسبوع الماضى سلسلةَ مقالات: (كأننا نتعلّم!)، أطرح فيها أحلامى حول منظومة التعليم فى مصر. بدأتها بثقافة (كأننا) التى توهمنا بأن أولادنا يتعلمون، بينما هم «يذهبون» للمدارس و«يعودون». ولكنْ، بعد فاجعة البحيرة التى تفحّم فيها سبعة عشر تلميذًا، أتأمل فكرة لم تخطر ببالى: ذهابُ التلميذ للمدرسة، دون «عودة». لأن سائق الباص «مسطول»! الكارثة لا تصبُّ فى خانة وزارة التعليم، إنما تصبُّ فى خانة (رُخْص المواطن المصرى وهوانه على حكوماته منذ قرن)، وهذا يصبُّ فى خانة جميع المؤسسات السيادية فى مصر، وليس فقط النقل والطرق والمرور.

١٣ ألف إنسان يموتون كل سنة «دهسًا» بمعدل ١٣١ قتيل/١٠٠ كم!! وبهذا تحتلُّ مصرُ «المركزَ الأول» عالميًّا فى حوادث الطُّرق حسب منظمة الصحة العالمية! ويُجمع المراقبون على أن المواطن المصرى يعشق «خرقَ» القانون. فترى السائقين ينبهون أصحابهم «ضوئيًّا» بوجود رادار أو كمين، وندفع رشاوى لأفراد المرور لنكسر الإشارات ونتجاوز السرعات ونصطفَّ فى الممنوع. ولكن، هذا المصرىَّ ذاتَه «يسوق زى الألف» فى الغرب والخليج، لأن رشاواه لن تُجدى. المشكلة إذن ليست فى «طينة» المواطن المصرى الفوضوى بطبعه، إنما فى التهاون فى تطبيق القانون كما فى الدول المتحضرة، دول القانون. أقصد دول «تطبيق» القانون، وليس نومه فى المجلدات نومَ الكهوف.

بتاريخ 13 مارس كتبتُ مقالا عنوانه (أمى وأحمد رشدى) حول أمى التى تكسر الإشارة وتسير للخلف على الكبارى، وحين تسألها: «كيف ولِمَ؟!» تقول: «النظامُ فى الفوضى، فوضى»! هى ذاتُها التى التزمت النظام خلال السنوات الثلاث التى تولّى فيها اللواء العظيم «أحمد رشدى» وزارة الداخلية. وحين تسألها: «خير! كيف ولِمَ؟» تقول: «النظامُ فى النظام، نظامٌ». لهذا أردفتُ مقالى بآخر عنوانه (نحتاج ألف أحمد رشدى) على رأس كل مؤسسة وكمين وإشارة مرور، حتى تختفى الفوضى.

«مَن أمِنَ العقابَ أساءَ الأدب»، هو مبدأ المجتمعات الفوضوية التى تتحول بتطبيق القانون إلى مجتمعات منضبطة بفعل التراكُم. فلو طُبّق القانون بحزم و(عماء) لاحترمه المواطنُ الشريف المنضبطُ بطبعه، ولاضطرَّ المواطنُ الفوضوى بطبعه (مثل معظم المصريين) أن يحترمه مرغمًا، يومًا بعد يوم، حتى يصبحَ احترامُ القانون عادةً وأسلوب حياة؛ فيتحول إلى مواطن منضبط. ثم ينشأ، بالتراكم، جيلٌ «نظيف» يرى أن احترام القانون من طبائع الأمور، وليس خوفًا من عقاب.

بعد فاجعة مدرسة «الأورمان» أتساءلُ: كم أمًّا مصرية الآن تودُّ منع أطفالها من التعليم بعد تلك المشاهد التى تفوق احتمالَ البشر؟! وللحديث بقية.