تبدأ معظم دول العالم و شعوبها مع بداية شهر دجمبر من كل عام في الإستعداد لاحتفالات نهاية السنة الجارية و بداية السنة المقبلة و فق التأريخ الميلادي المسيحي المعتمد و المتداول علي نطاق عالمي و هي مناسبة لأخذ العُطَلِ و "تَوْقِيفَاتِ العمل" و تنظيم مهرجاناتِ و حفلاتِ و لقاءاتِ الفرح و السرور و التفاؤل و "الحَمِيمِيًاتِ العائلية" و تبادل الهدايا و إنعاش "السهرات الضًاحِكَةِ"...
و إذا كانت معظم شعوب العالم تستعد لتوديع عام 2015 و بعضها يرفل نَاضِرًا في الأمن و التنمية و الاستقرار و البعض الآخر يحتفل ضاحكا بالتًخَفُفِ من شيئ من أثقاله و أوجاعه و التحسن في ظروفه و رؤيته لمستقبله فإن العرب سيودعون هذا العام "بالضحك الأصفر"Rire Jaune\Forced Laugh و هو الضحك بإكراه النفس و حَمْلِهَا عليه حَمْلًا و الذي يَشِي بالهَمِ و الغَمِ و الحَسْرَةِ و الحَزَنِ و قَتَامَةِ المستقبل بفعل استدامة و استفحال "الأزمات العميقة" التليدة و "الأزمات الوجودية" الطارفة.
وتذكيرا فإن أُمً الأزمات العميقة التليدة التي تنخر الجسم العربي و تزداد كل يوم وقاحة و صَفَاَقًةً و استفزازا هي الاحتلال الصهيوني لفلسطين و الأراضي العربية الذي يمثل اليوم أقدم و أعتي و أشنع و أبشع احتلال في العالم "برعايةٍ" أو "غَضِ بَصَرٍ" من أقوي دول العالم و المنظومة الأممية المسؤولة عن حراسة أمن العالم!!!؛ كما يعتبر المُحَرِضَ الرًئِيسَ و "المُوَرِدَ الأَوًلَ" لردة الفعل المتمثلة في "الإرهاب الأعمي" و "الجنون الفكري" الذي يَفْتِكُ بفئات متنوعة من زَهْرَةِ الشباب العربي و المسلم.
و تمثل "رَجَعَاتُ عَصَا" الربيع العربيRetours de baton\backlash المتجسدة في التسيب السياسي و الاقتتال الطائفي و العرقي و التنافر بلا سبب و التراجع التنموي الذي اجْتَاحَ و جَاحَ أغلب دول الربيع العربي :ليبيا و سوريا و اليمن،.. أزماتٍ وجوديةً ستُرسم مَعالم ما بعد "خَيْبَةِ" الربيع العربي الذي يبدو أنه وُلِدَ قبل أوانه و اغْتِيلَ في مهده! و تُهدد بتجزئة "المُجَزًإِ العَرَبِيِ" إلي كيانات سياسية منزوعة عناصر القوة و الطموح و المستقبل!!.
و لقد تابعتُ أغلب الخَرْجَاتُ الإعلامية "شبه اليومية" للرئيس الفرنسي بعد هجمات الثالث عشر نوفمبر بباريس كما شاهدت عبر تلفزيون BBC زهاء نصف النقاش الحي و المباشر الذي دام اليوم عشر ساعات بمجلس أو "دار" العموم البريطانية House Of Common حول طلب رئيس الوزراء البريطاني "ديفد كامرون" إجازة الضربات الجوية البريطانية ضد تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية بسوريا.
فخلصتُ إلي أن القادة الغربيين مشغولون -تحت تأثير الأجندات الانتخابوية- بتحقيق أهداف عاجلة من خلال تحييد خطر التنظيمات الإرهابية عن ديارهم و مواطنيهم بالمهجر في المدي القصير و المتوسط فقط !! لذلك خلت خطابات هذين القائدين من أية إشارة إلي المدي الطويل أو ذكر لتشخيص ومعالجة أسباب انخراط و انتساب الشباب العربي و المسلم إلي فكر الإرهاب و التطرف العنيفّ!!
كما استنتجت أن النسخة المرتقبة من المقاربة الغربية لمحاربة الإرهاب بعد صدمة أحداث باريس ستركز علي التصفية العسكرية "لداعش" و حلفائها من ضحايا الغلو الطائفي بالعراق و سوريا علي غرار التصفية العسكرية للقاعدة و حلفائها من حركة طالبان بعد أحداث الحادي عشر سبتمبر الشهيرة مكررة نفس الخطإ السابق بإهمال معالجة دوافع و محرضات و موقظات فتنة الإرهاب تماما كمن يلاحق الرِمْيَةِ و يترك الرًامِي!!.
لكن اللافت للانتباه هو تصريحات بعض المسؤولين الغربيين من المنتمين إلي "الدًرَجَةِ السِيًاحِيًةِ" حتي الآن و التي تَرْشَحُ بالتباكي حول الأنظمة الدكتاتورية التي حكمت بلدانا عربية و أطاحت بها المخابرات و الجيوش الغربية و الاعتراف بالذنب و الخطإ بخصوص التصفية السياسية و الجسدية لتلك الأنظمة و رموزها.
و أخشي ما أخشاه هو أن تكون تلك التصريحات مقدماتٌ أو فَلْتَةَ و سَبْقُ لسان حول نية الغرب "الجريح في كبريائه" بعد أحداث باريس الأخيرة تشجيع "إعادة إنتاج" أنظمة دكتاتورية بالمنطقة العربية يعهد إليها بمواصلة التصفية العسكرية و الأمنية لداعش و "أخواتها" مقابل "صَكُ غفران" عن تجاوزات حقوق الإنسان و خنق الحريات العامة!!
و في المقابل فغاية ما أحلم به هو أن تتضافر جهود النخب الإسلامية و العربية مع النخب و الدول الغربية من أجل التصفية العسكرية و الأمنية لداعش و حلفائها بالتوازي مع البدء في "إطفاء" موقظات فتنة الإرهاب ابتداء بحل جريئ،منصف،غير تقليدي و شجاع للقضية الفلسطينية و إرساء أنظمة ديمقراطية ناصعة و إقامة حكامة اقتصادية نظيفة و بيضاء بما يُسْعِدُ و يسُرُ الحكام و المحكومين بالعالمين العربي و الإسلامي.