وزارة الصحة التى مكثت فى اروقتها زهاء العشرة ايام متنقلا من مكتب إلى مكتب ومن موظف إلى آخر ومن زقاق إلى أقبية ودهاليز تتنوع وتجدد راسمة حدود امبراطورية بيروقراطية تنفتح على أخرى كلما حسب المرء انه وصل نهاية نفق منها انفتح آخر بفعل التوالد المستمر للروتين لدى موظفين انهكتهم الأمراض المزمنة للقطاع ففقدوا الشهية للفعل كما فقدوا الرغبة فى الكلام والتعاطى الايجابى مع مراجعيهم لتتكدس الأوراق فوق مكاتبهم وتختلط مع الأتربة وقشور الفول مشكلة فسيفساء غير متجانسة هى الأرضية الحاضنة للكميدياء الصفراء التى على كل داخل للوزارة أن يلعب مكرها أحد أدوارها الممجوجة وان يكون فى الوقت ذاته أحد ضحاياها الكثيرين .....هذه الوزارة تعنى ليس فقط بالطب الاستشفاءي والصحة العمومية بمعناها الشائع بل يدخل فى اختصاصها او هكذا يعتقد مراجعوها جهلا أو تجاهلا كل ما يمكن أن يسد خلة أو يحقق مأربا حتى ولو كان استغلالا لآلام الناس وامراضهم فرابط على أبوابها الكسالى والافاكون يتكففون المسؤولين املا فى الحصول على ورقة تمكنهم من تأليف المآسي ليستدروا بها عطف المانحين كما أنها من جهة أخري سوقا رابحة لرخص العيادات ومستودعات الادوية التى تدر أرباحا طائلة تبعا لخصخضة القطاعين وسوء سمعة القطاع الصحي العمومى .
مثل هذه الوضعية رشحت الوزارة لأن تكون مزارا يوميا يارز اليه آلاف المراجعين مما شكل ضغطا اضافيا عقدالامور ووقف دون الإنسيابية الضرورية لقطاع مطلوب منه أن يبت استعجاليا في القضايا التى تطرح عليه بحكم أنها في الغالب لا تقبل التأجيل لارتباطها العضوى بأرواح الناس وراحتهم .
من هنا وجدتني مثل الكثيرين على أن أتى يوميا لاسمع وعدا بحل مشكلتى وعدا يتجدد باستمرار لدرجة انى لا اكلف نفسى عناء الاستماع لمايقوله الموظف المعنى لأنه بكل تأكيد لن يخرج عن التحجج والتعلل ....ومع رجوعى بما دون خفى حنين إلا اننى لست عاتبا على المسؤولين هنا فهم يبذلون قصارى جهدهم ويصل أغلبهم الليل بالنهار فى أعمال من المؤكد أنها لصالح الوطن وان غابت عنا نحن الغرباء عن القطاع فائدتها كما أن طول مدة تجوالى فى الابلوك الذى تتقاسمه الوزارة مع الصراصير والدبابير ومختلف الهوام مكنتني من لقاء أصدقاء اعزاء وإداريين قدماء اتقاسم وإياهم ذكريات مغرية عن الزمن الجميل حيث التقيت تلميذى سيدى ولد الراظى الذى يراس مصلحة من أنشط المصالح ويقضى كل وقته متنقلا بين مختلف الإدارات املا فى حل مشاكل منسوبي القطاع خصوصا حديثى الاكتتاب منهم كما التقيت الأستاذ النابه والعمدة المحبوب محمد سالم ولد بمب الذى أصبح مفتش الوزارة واستعرضت واياه أيام التدريس كما تعرضنا لافول الهيكلية وقفز الناس اليوم خارج اسوارها ضمن مكيدة من المؤكد انهم سيكتشفون ذات يوم زيفها ولد بمب للأسف مايزال متشبثا بالفكر النظري رغم الإخفاقات المحبطة التى نعيشها على مستوى الاشياء لذا يصر على الإقامة فى منافى الفكر موغلا فى التيه موليا وجهه شطر الجنوب متلمسا نسائم الفلاني التى يقال في المحكي الشعبى أنها ستحمل ذات يوم إشراقة جديدة للكينونة تؤسس لولادة جديدة لأمتنا المهددة بالانقراض ....الوزارة أيضا جمعتنى بزميلى الطيب الذي تقاسمت واياه مقاعد الدراسة في قسم الفلسفة قبل أزيد من عقدين ونصف من الزمان ورغم خطوط الزمن المنطبعة علي جبينه الوضاء ووجهه المضياف إلا أنه مايزال شاهد صدق على قدر غير يسير من النجابة التى مثلناها في أعوام مشهودة من ثمانينات القرن الماضى كما يشهد ذلك الزمان الذي بدأت تجاعيده تغزونا دون أن نملك القدرة على إيقافها على أننا وان شبنا فقد عشنا شباب العواصف ..أحمد جدو أيضا اتحفتنى به أيام الوزارة فهو صديق عزيز ومناضل كبير لم يجد حتى الآن ما يستحقه تحدثت واياه بعد ان تصافحنا بحرارة وودعته وانا ااسف لحزب الاتحاد الذي لم يستطع رغم كونه حزبا حاكما أن يجد لأحمد جدو منصبا بحجم قامته الفارعة وكفاءاته الكثيرة .
الادارى الكبير والصديق العزيز اسلمو ولد المحجوب سعدت بمجالسته فهو يعكف صحبة فريق من الخبراء على رأسهم الاقتصادى المعروف سيدنا ولد انداه على صياغة وبلورة استراتيجيات طموحة تطويرا للقطاع وجلبا للشركاء والممولين على نحو يسرع ولوج القطاع لأهداف الألفية في المجال الصحى وهو أمر قطعوا فيه خطوات هامة ومفصلية ورغم انشغالاته ودقة عمله الذي يفرض الكثير من التركيز إلا أنه لم يبخل علي بما يستطيعه معربا عن أمله في أن تسوى مختلف مشاكل القطاع على نحو يحمل الخير لكل موريتانيا ...ولد المحجوب سياسي كبير لديه علاقات أفقية وعمودية مع مختلف الفاعلين السياسيين في عرفات لكن التهميش الذى يعانيه قد ألقى بظلاله على أداء الحزب فى المقاطعة مما جعلها فريسة سهلة للتواصليين ....حاجتي في الوزارة فرضت على أن التقي مرارا بامينها العام ولد اج فهو بحكم وظيفته المفصلية محور الفعل والفاعلية انه تماما كما عرفته منذ سنوات عديدة بوش وخلوق يبذل كل جهد ممكن لحل المشاكل المطروحة عليه ضمن اريحيته المعهودة وتبعا لمقتضيات مهنية لا غبار عليها مقتضيات يؤطرها ويحكمها الإمكان الذى هو مجال الفعل الانسانى وأساس خيريته ...لكن ماذا عساه يفعل وهو يسير قطاعا مريضا تتنازعه المؤثرات وينوشه الداء والاعداء.
أخيرا لابد من الإشارة إلى انى ورغم العنت الذي عانيته طيلة هذه الأيام الطويلة فانى لست عاتبا على الوزارة بل مدين لها بهذه اللقاءات الطافحة بالدلالات والمعانى اما عدم حل مشكلتى البسيطة رغم هذا الكم المعتبر من الأصدقاء المميزين والذين يحتل بعضهم مناصب قيادية فإنه ميزة شرف تحسب لي ولهم فلم نخلط بين العمومي والخصوصي وءامل أن أجد حلا فى الإطار الرحب الذي يجمعنا ومختلف المراجعين فالوزارة تنزف ولا أحد يجهز على جريح .
عبدالفتاح ولد باب كاتب صحفى