بدأت ملامح السباق الرئاسي في تونس تتوضح بشكل أكبر، مع بروز نوع من الاستقطاب الثنائي بين مرشحين رئيسيين هما رئيس حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي والرئيس الحالي المنصف المرزوقي، حيث يتوقع بعض المراقبين انهما الأوفر حظا لبلوغ الدور الثاني من الانتخابات، على ان المفاجآت واردة دوما في هذا المجال.
وساهمت الانتخابات التشريعية (البرلمانية) الأخيرة في زيادة رصيد رئيس «نداء تونس» وخاصة بعد فوز حزبه بالمركز الأول متفوقا على منافسه الأبرز حركة النهضة التي جاءت في المركز الثاني، وهو ما دفع بعض المؤيدين إلى استباق النتائج وتوقع فوز كاسح لقائد السبسي منذ الدور الأول.
غير ان هذا الأمر يبدو غير ممكن واقعيا، على اعتبار وجود بعض الشخصيات الأخرى (الحزبية والمستقلة) التي تمتلك حظوظا جيدة في الانتخابات، كما ان خوف البعض من «تغول» نداء تونس وانفراده بالسلطة قد يدفع عددا من الناخبين إلى التصويت لخصوم قائد السبسي وفي مقدمتهم الرئيس المنصف المرزوقي الذي بدأ رصيده الانتخابي يتصاعد مع تزايد دعمه من قبل عــدد كبيــر من الأحزاب والشخصيــات السياسيـة في البلاد.
فبعد إعلان حزبي «التيار الديمقراطي» و»حركة وفاء» (المنشقين عن حزب المرزوقي) عن دعمها للمرزوقي، أعلنت ستة أحزاب جديدة الإثنين دعمها له في الانتخابات الرئاسية.
وبررت أحزاب «الإصلاح والتنمية» و «حركة البناء المغاربي» و «البناء الوطني» و «المؤتمر من أجل الجمهورية» (حزب المرزوقي) و»العدالة والتنمية»، و «الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» قرارها الجديد بالحرص على «تحقيق توازن سياسي يحد من مخاطر «التغوّل» والاستبداد مجددا، ويساعد على استقرار مؤسسات الدولة وتكاملها وضمان الحقوق والحريات والمكاسب التي جاء بها الدستور ورغبة منها في تجميع عناصر القوة المادية والسياسية لدعم مترشح يستجيب لهذه التحديات ويعبر عن هذه التطلعات».
وكان القيادي في حزب المؤتمر سمير بن عمر أكد لـ «القدس العربي» ان نسبة كبيرة من الأطراف السياسية عبرت عن دعمها للمرزوقي واستعدادها للمساهمة في حملته الانتخابية، معتبرا ان المرزوقي «يملك أفضل الحظوظ لمجابهة المنظومة السابقة كي يبقى هناك حد أدنى من التوازن بين السلطات العمومية، وللحلول دون تغول حزب واحد في البلاد».
وجاء القرار الأخير بعد فشل مبادرة رئيس حزب التكتل مصطفى بن جعفر التي تقضي يدعم الأحزاب الوسطية لمرشح توافقي يستطيع مواجهة قائد السبسي في الانتخابات، حيث اكتفت هذه الأحزاب بدعم مرشحيها للرئاسة في الدور الأول، على ان تتفق جميعها لدعم مرشح واحد في الدور الثاني.
كما ان القرار الأخير لمجلس شورى «النهضة» بعدم دعم أي مرشح رئاسي ترك علامات استفهام كثيرة حول هوية المرشح الذي يرغب انصار الحركة بدعمه، على اعتبار ان «النهضة» تشكل القوة الثانية في البلاد وقرار دعمها لأي من المرشحين قد يحدث انقلابا في الموازين وخاصة في الدور الثاني، غير ان البعض يشير إلى وجود «قرار ضمني» داخل الحركة بدعم شريك الحكم السابق (المرزوقي)، بدليل انها كذّبت رسميا ما أُشيع عن اتخاذ قرار بعدم دعم المرزوقي، دون ان تنفي احتمال دعمه في الانتخابات المقبلة.
في المقابل، أعلن أغلب الأحزاب الدستورية (المنبثقة عن حزب بن علي) دعمها للباجي قائد السبسي، باستثناء حزب «المبادرة الدستورية» الذي قرر الاستمرار في دعم مرشحه كمال مرجان، كما عبر عدد كبير من المثقفين عن دعمهم لترشح قائد السبسي الذي رأى فيه البعض «ضمانة للمستقبل ولمنع تكرار أخطاء الماضي».
وكان السبسي اختار ضريح الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة لإطلاق حملته الانتخابية (لما له من رمزية كبيرة لدى التونسيين)، مشيرا إلى انه أحد تلامذة بورقيبة الأوفياء والملتزمين بالنهج العلماني الذي كرسه الأخير منذ ستة عقود، وأضاف في لقاء تلفزيوني «لو كان بورقيبة حيا لمنحني صوته!».
ويرى بعض المراقبين ان الاستقطاب الثنائي الآن في الانتخابات الرئاسية يبرز بشدة بين منظومتي الحكم الجديدة (الترويكا) والقديمة (بقايا رموز بن علي)، مشيرين إلى ان النهضة التي اختارت «رسميا» النأي بنفسها عن الانتخابات الرئاسية، ستسعى مع شركائها لقطع طريق الرئاسة على قائد السبسي بهدف منع تكرار تجربة حكم الحزب الواحد، رغم ان المهمة تبدو صعبة تجاه حزب يملك ماكينة انتخابية وإعلامية كبيرة كـ «نداء تونس».
يذكر ان القيادي في «نداء تونس» اختزل مؤخرا الصراع الرئاسي بين الباجي قائد السبسي الذي قال انه يمثل «المشروع الوطني العصري» والمنصف المرزوقي «الذي اصطفت وراءه قواعد الترويكا»، مشيرا إلى ان باقي المرشحين «سيجدون انفسهم بين كفي رحى هذا الاستقطاب (الثنائي بين الطرفين) وكل ما يفعلونه الآن هو خدمة قطب ضد آخر بوعي أو بدون وعي، (أما) المستقلون والمحايدون والباحثون عن الطريق الثالث سيجدون انفسهم يلقون مصير الأحزاب التي شغلت تلك المواقع خلال الانتخابات التشريعية».