بعد أن فاز أوباما بفترة رئاسية ثانية فى نوفمبر 2012، نشرت لى إحدى الدوريات العلمية دراسة كان عنوانها «كيف فاز أوباما.. وهل فاز فعلا؟»، قدمت فيها تحليلا لتلك الانتخابات كان مؤداه أن «فوز أوباما يخفى وراءه أزمة يعانيها حزبه لا تقل خطورة عن الأزمة التى يعانيها الحزب الجمهورى». وقتها شرحت الأزمة الكبرى التى يعانى منها الحزب الجمهورى، والمتعلقة بائتلافه الانتخابى الذى خسر كثيراً باستعدائه لقطاعات واسعة من الأقليات، فضلا عن الشباب والمرأة وما يعنيه مستقبلا فى ظل التحول الديمجرافى الذى تشهده الولايات المتحدة، والذى يميل نحو تحول البيض إلى أقلية فى عقود قليلة. لكن الأهم من ذلك كان فى تقديرى، ما كشفت عنه انتخابات 2012 من أزمة خطيرة يعانى منها الحزب الديمقراطى الذى كان قد فاز لتوه بالرئاسة، وهى الأزمة التى وصفتها فى حينه «بالاضطراب الشديد» فى علاقة أوباما «بالائتلاف الانتخابى الذى حمله حملا للبيت الأبيض فى 2008 وأيضا فى 2012». وقتها قلت إن أوباما فاجأ الحركة، التى حملته للبيت الأبيض فى 2008 أملا فى التغيير، بسياسات تقليدية، وبالتخلى عن الكثير من تعهداته الانتخابية، الأمر الذى جعلها تعانى إحباطا شديدا كاد يودى بفرصه فى 2012 لولا حملة اللحظات الأخيرة التى شنها الحزب الديمقراطى وكلفته الملايين لتعبئة قاعدة الحزب ودفعها للتصويت. وقد ساعد هذه الحملة على النجاح استنفار الكثير من القطاعات التى استهدف الجمهوريون حرمانها من التصويت وقتها، فخرج السود والأمريكيون من أصل لاتينى والشباب بكثافة أكبر، تحديا لخطة الجمهوريين.
والحقيقة أن انتخابات نوفمبر الحالى تجسد امتدادا لهذا التحليل. فبعد إعادة انتخابه فى 2012، ظل أوباما على النهج نفسه ولم يقدم لقطاعات ائتلافه الانتخابى، المرأة والشباب والسود واللاتين والعمال والمناهضين للحروب الدائمة، ما يدفعها للتصويت فى 2014 لصالح الديمقراطيين. ورغم أن الأرقام النهائية لهوية ناخبى 2014 لم يفصح عنها كلها حتى كتابة هذه السطور، إلا أن الواضح أن ما جرى فى الانتخابات كان هزيمة للديمقراطيين أكثر منه فوزا للجمهوريين. فالحزب الجمهورى لم يقدم أجندة سياسية واضحة المعالم فاز على أساسها، وإنما كان فوزه نتيجة لاستنفار قاعدته والقطاعات الموالية له، فى وقت عانى فيه أطراف ائتلاف أوباما إحباطا شديدا فأحجموا عن التصويت. ورغم كل محاولات أوباما لتكرار حملة اللحظة الأخيرة فى 2012، كان واضحا أنه لم يعد من الممكن تكرار تجاهل قضايا القطاعات الرئيسية للحزب ثم استدعاؤها فقط للتأييد فى أول انتخابات قادمة.
ومن ثم فإن الحكاية الرئيسية لانتخابات 2014، ليست فقط أن سياسات أوباما طوال الأعوام السابقة قد أدت لعودة المحافظين الجدد، الذين لم يختفوا بالمناسبة طوال حكمه، لعملية صنع السياسة الخارجية، وما سيعنيه ذلك من المزيد من التورط العسكرى فى المنطقة والعالم، إضافة للدعم القوى لاستراتيجية نتنياهو الجديدة بإغلاق ملف القضية الفلسطينية، وإنما الحكاية بالأساس حكاية حزبين كبيرين ينكر كل منهما أزمته الداخلية ويركز على الصدام مع الحزب الآخر، لكنه فى النهاية سيكون صداما محكوما. فليس صحيحا أن الجمهوريين صارت لهم الكلمة العليا وحدهم فى الكونجرس. فالديمقراطيون، من مقاعد الأقلية فى مجلس الشيوخ، قادرون، على شل حركة الجمهوريين الذين لا يملكون أغلبية الثلثين فى ذلك المجلس الذى تعطى قواعده حقوقا أكبر للأقلية لا الأغلبية.