لقد عودنا " إخواننا " التواصليون على الكثير من الحركات المريبة، والتي هي أشبه ما تكون ب "حركات الدب لاستفزاز الجذع"، حيث تقول الحكاية إن الدب رأى جذع شجرة على شكل كائن فارتاب من ثباته، فأراد أن يستفزه ليتحرك، فبدأ في الكثير من الحركات وأحدث الكثير من الأصوات: الهرولة إلى الجذع والتوقف فجأة، التكشير عن الأنياب، نبش الأرض بالمخالب، التمرغ، القهقهة والتباكي والصراخ، كل ذلك لم يحرك الجذع من مكانه، فازداد الدب ريبة، وأخيرا وقف على مؤخرته وعيناه تلمعان يفكر في حيلة أخرى لاستفزاز الجذع،! فالنترك الدب والجذع الآن والنعد إلى " إخواننا " وحركاتهم والتي عودونا عليها منذ ظهورهم حزبا سياسيا يتحرك في المشهد السياسي لهذا البلد، فقد كثرت حركات "إخواننا" هذه ولبست مختلف ألوان الطيف مما جعلها مثيرة للجدل سياسيا ودينيا وحتى مبدئيا الأمر الذي جعل الكثير من مراقبي الشأن السياسي يتساءلون عن الهدف الحقيقي من هذه الحركات، وجعل المواطن العادي يسأم ويتضجر من حركات بهلوانية متذبذبة ومشبوهة لا تلامس مكامن معاناته الحقيقية بقدر ما توجه أنظاره إلى الآثار السلبية التي أحدثتها مثل هذه الحركات في البلدان التي تزعم فيها الإخوان ما بات يعرف ب"الخراب العربي" ويمكننا أن نقسم حركات "إخواننا" حسب أهدافها الظاهرة على الأقل إلى ثلاثة أنواع:
أـ حركات لاستفزاز الدين، ذلك على الأقل ما نفهمه نحن العامة البسطاء الذين بالكاد نتمسك بدعاء عمر بن الخطاب " اللهم ارزقنا إيمان العجائز " محاولة منا للنجاة من فرق آخر الزمان الذي تشعبت فيه السبل والأهواء بالناس، كما ذكر ذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام " ستنقسم أمتي ......"إلى آخر الحديث، وإلا فكيف نفهم إسقاط حد الردة عن شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم، ذلك ما فعله الشنقيطي كبير "إخواننا" ومنظرهم حيث أسقط عن ولد امخيطير حد الردة وبرأه بشريعته المتكئة على مقصدية إخوينجية تطوع الدين وتأوله أو على الأصح تلويه خدمة للمقاصد الدنيوية السياسية التماسا لانفتاح ليس هو في الحقيقة إلا استجداء للدعم الغربي ليكون إشارة مرور إلى الشرعنة والحكم والتمكن، الأمر الذي لم تستطع الخلفية الإخوانية المتزمتة في حقيقتها الصبر على التستر عليه طويلا، فظهر ذلك في مهاجمة العالم والمفكر الإسلامي الكبير ولد بيه لأنه قال إن الترغيب في الدين يغلب على الترهيب فيه،! وكيف نفهم إرسال علماء السنة من أمثال البوطي إلى الجحيم عبر البريد المقاصدي الإخواني والتلميح بازدراء علماء السنة الآخرين ممن لا يعتنقون فكر الإخوان،! وكيف نفهم تشريع علماء الإخوان للفتن التي قال الرسول صلى الله عليه وسلم إنها نائمة ولعن ـ عليه الصلاة والسلام ـ من أيقظها، ونرى اليوم آثار تلك الفتن سيئة في البلدان التي امتطى فيها علماء الإخوان جياد الخروج على السلطة منكبين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " ...... وإن تأمر عليكم عبد حبشي ... ".
ب ـ حركات لاستفزاز الوطن، ولعل من أشد تلك الحركات وقاحة هي اصطفاف "الإخوان" التواصليين إلى جانب الحركات العنصرية التي تروم تفكيك الوطن وتهديد وحدته الوطنية، وما جلوسهم تحت مظلة علم انفصالي مع حركة انفصالية عنصرية، لا يختلف اثنان على عنصريتها إلا دليل واضح على ذلك، وعلى أن المقاصدية لبراكماتية كذلك مبدأ مقدس عند "الإخوان" يمكن من أجله أن يبيعوا كل شيء، ويمكن في هذا المجال أن نضيف الحركات الإخوانية المستفزة للقيم والمبادئ الأخلاقية السياسية، فهم يحفرون الخنادق في صفوف المعارضة ويتركونها في أغلب الأحيان خاوية وتجدهم مصطفين في الصفوف الخلفية للموالاة، ظهر ذلك في اعترافهم بنتائج أول انتخابات رئاسية للنظام الحالي أجمعت المعارضة ـ وهم "جزء" منها ـ على أنها مسروقة، ظهر ذلك في مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية والبلدية التي أجمعت المعارضة ـ وهم "جزء" منها ـ على مقاطعتها، ظهر ذلك في استقبال نوابهم وعمدهم للرئيس في زياراته للداخل والتي أجمعت المعارضة ـ وهم "جزء" منها ـ على أنها كرنفالية،! ظهر ذلك في شقهم لصفوف المنتدى بالمشاورات والمهرجانات الخارجة عن إجماع المنتدى الذي يعتبرون "جزء" منه،!.
ج ـ حركات لاستفزاز النظام، ولقد ظهر عنف هذه الحركات مع الأيْمان المغلظة على عجز الرئيس زمن رصاصة اطويل، ولقد توالت تلك الحركات مشابهة تماما لحركات الدب مع الجذع بالهرولة تارة والتوقف فجأة عند مسجد ابن عباس، وبالتكشير تارة عن الأنياب في المظاهرات والمهرجانات، وبالتمرغ تارة في أرضية المنتدى والمنظمات المعادية للنظام، ولعل تفكير الدب في استراحته تلك أهداه الحركة التي نشهد اليوم غبارها متصاعدا في وسائل الإعلام وفي المساجد، ألا وهي حركة محاربة النظام للقرآن،! إن هذه الحركة من طرف "إخواننا" التواصليين ليست موفقة ولا مقنعة بالمرة وذلك لعدة أسباب منها:
ـ أن هذه الهبة ليست إلا حركة من حركات استفزاز النظام وليست حمية للقرآن والمحظرة التي يذرفون عليها اليوم دموع مقاصديتهم لبراكماتية، إذ لو أنها حمية فعلا للمحظرة لتوجهوا بها أولا إلى حليفهم في المنتدى والذي حكم البلاد سنتين وكان مدير أمنها عشرين سنة، وقد صرح عبر وسائل الإعلام الدولية ـ وهم أكيدا استمعوا إلى ذلك ـ بأن المحظرة هي المسؤولة عن تكوين الإرهاب وتخريجه، فهل نددوا على الأقل بهذا التصريح؟! إن هذا الموقف يؤكد بجلاء استناد "إخواننا" هؤلاء على مبدإ: "من معنا مبرأ من كل عيب ومن ضدنا يستحق الجحيم"، وما سمير القنطار عميد الأسرى العرب الذي كان يصفق له أترابهم في غزة وتنكروا له اليوم بعد موته ـ والأسباب طبعا معروفة ـ إلا دليلا على ذلك،!
ـ أن نسبة الإخوان التواصليين التي حصلوا عليها في مغامرتهم الانتخابية الأخيرة لا تخول لهم الحديث باسم الأمة الموريتانية المسلمة بالفطرة والتي خدمت القرآن والمحظرة قبل ظاهرة الإخوان، يضاف إلى ذلك أن علاقتهم المتذبذبة بالمعارضة لا تدعم مواقفهم المريبة في أكثر حالاتها، كما أن لعبة الدب والجذع التي يلعبونها مع النظام لا تنم عن شجاعة يتطلبها صدق العاطفة اتجاه الهدف، أضف إلى ذلك تواجدهم ملثمين في الصفوف الخلفية من الموالاة وشغور خنادقهم في المعارضة الحقيقية، كل هذه الأمور تجعل مصداقية "إخواننا" التواصليين على المحك مما يجعل أصواتهم بمحاربة النظام للقرآن، مهما رفعوها مبحوحة.
ـ أن النظام لا يمكن لأي ساذج مهما كانت سذاجته أن يصدق أنهم يحاربون القرآن، لأنهم مسلمون أولا ولأن مراكزهم لا تسمح لهم بخدش مقدس لو خدشوه فعلا لهب المجتمع كله ضدهم، وليس الإخوان وحدهم، كل ما في الأمر أن المحظرة الطبيعية التي تدرس القرآن والمتون مرخصة تلقائيا لكل من يريد إنشاءها حسبة لله، أما المراكز والمعاهد فهذه لها صفات مؤسسات تعليمية وتتطلب بسبب ذلك ترخيصا لما تحتاجه من تكوين وتصنيف لمن يدرسون فيها، ولما تحتاجه الشهادات التي تمنح لطلابها من تعديل مع الشهادات المعترف دوليا، ولما تتطلبه رقابة المناهج والمقررات التي تدرس فيها، بعد ذلك من واجب الدولة مراقبة كل المؤسسات التعليمية العاملة على أرضها حفاظا على دور المؤسسة التعليمية كما هو محدد في سياسة البلد التربوية، وكل المراكز والمعاهد والجامعات المرخصة تعمل بدون مضايقات، ومثال ذلك واضح للعيان كمركز تكوين العلماء ومعهد ورش وجامعة ابن ياسين والجامعة اللبنانية وغيرهم، أما في ما يخص التضييق على الفروع فإن تلك سياسة تربوية انتهجتها الدولة للحد من الفوضوية التي شهدها التعليم الخاص وقد شمل ذلك مدارس القطاع الخاص الذي تم إغلاق فروعه في الداخل إلى أن تأتي بتراخيص جديدة، فكل الضجة إذن التي أطلقها الإخوان ليست بسبب التضييق على القرآن، وإنما هي بكاء على تمويلات مشبوهة مجهولة المصادر يحصلون عليها ويستغلون جزءا منها سياسيا على هذه المراكز والمعاهد الخارجة عن النظام وإن كانت نبيلة الهدف كما يزعمون، بعد ذلك ما الضير في التقدم إلى الجهات المختصة للحصول على ترخيص بعد التأكد من مطابقة القوانين المعمول بها في البلد، اللهم إلا إذا كان عند "إخواننا" ما يتسترون عليه مما هو خارج عن قانون الرخصة.
ـ أن هذا النظام يمكن لكل عيب أن يكون فيه إلا محاربة القرآن والدين بشكل عام، فإذاعته وقناته ومصحفه لنشر القرآن وتعاليمه ماثلة تعمي الأبصار وتصم الآذان عن كل صراخ في هذا المجال، والمؤتمر العالمي الذي عقده الدعاة مؤخرا هنا في انواكشوط دليل على أنه لا يضيق على الدعاة إلى الله، وعزمه بناء مسجد كبير من ميزانية البلد ليكون مسجد موريتانيا التي لا توجد فيها إلا المساجد الأجنبية دليل على أنه لا يحارب الدين ولا القرآن، والقرآن عموما لا تتجرأ الأنظمة الفاجرة الفاسقة على محاربته، فكيف بنظام مسلم يحكم بلدا مسلما مائة في المائة، قد يصبر شعبه على الجوع والظلم والقهر ولكنه لن يصبر على محاربة القرآن والنظام من المؤكد أنه يعرف ذلك، فالصراخ في مجال محاربة النظام للقرآن تجارة بائرة وحركة فاشلة، على "إخواننا" العودة إلى الدب لعله اهتدى إلى حركة جديدة لاستفزاز الجذع.
وخلاصة القول أن كل هذه الحركات سواء لاستفزاز النظام أو لاستفزاز الدين كما هو معروف على هذه الأرض، أو لاستفزاز الوطن في وحدته ولحمة مكوناته، كلها تدل على أن الإخوان فكرا يقاربون العلمانية وتختفي عندهم الوازعية الدينية لتحل محلها المصلحة، مصلحة الحركة، فما يمثل مصلحتهم هو الدين وما يجانبها هو الزيغ والضلال، ومن أجل تلك المصلحة يمكن بيع المقدسات "الدين والوطن مثلا" ويمكن التحرك في كل الاتجاهات "النظام والمعارضة مثلا" ويمكن ركوب المثيرات " محاربة القرآن مثلا" إلا أن البرودة التي واجه بها الشارع دموع "محاربة القرآن" ستكون أعطت ل"إخواننا" درجة تفاعل الشارع مع تلك الدموع، وأن هذا الشارع قد قرأ في المدارس الابتدائية في عهود زهوها مقطوعة الثعلب المشهورة قبل أن تُمحى هي وغيرها من طبعات الكتب الجديدة.