تعبر سماء منطقة الخليج العربي سحابةٌ سوداء منذ مارس/آذار الماضي، حين سحبت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من قطر. ومنذ ذلك الحين، تجري مساع حميدة من أجل تبديد هذه الغيمة، وتجاوز نقاط الاختلاف في وجهات النظر حيال جملة من القضايا، تم تضمينها في وثيقة عُرفت باسم "وثيقة الرياض". واللافت أن ما بات يعرف بـ"وثيقة الرياض" التي وُضعت قبل عام، لم تنشر على موقع مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من أنها وردت، أكثر من مرة، في البيانات الصادرة عن اجتماعات وزراء خارجية دول المجلس، لكن الأكثر مدعاة للتأمل، هنا، أن العديد من كتاب الصحافة السعودية اعتبروها وثيقة غامضة، إلى حد أن أحد كتاب الأعمدة اليومية المعروفين قال، إنه يستحيل فهم بنودها، من دون الاستعانة بمترجم محلي، وأضاف الكاتب "مهمة صعبة فك الشفرة، كيف يمكن توضيح معاني: الاتفاق على أهمية التنفيذ الدقيق لما جرى الالتزام به، والبيان لا يقول تنفيذ ماذا، ولا على ماذا تم الالتزام". وبدورها، حاولت الصحافة الأجنبية استخلاص نقاط معينة تصلح للعرض بنوداً صريحة، فلم تتوصل إلى نتائج، فاكتفت بالقول، إنها "وثيقة مبهمة"، على حد وصف صحيفة "وول ستريت جورنال". والسؤال الذي يطرح نفسه حقّاً، هل كان مقصوداً أن تكتفي الوثيقة بالعموميات ولغة الإشارة، أم أن محتواها يفتقر إلى الحجج التي ترفعه إلى مصاف الوضوح؟ على الأرجح أن ضعف مضمون الوثيقة نابع من تهافت المستندات التي قامت عليها، والتي جرى سوقها كشروط على دولة قطر من أجل إعادة السفراء إلى الدوحة. جرت منذ ذلك الحين، محاولات عدة لتجاوز الأزمة، لكنها لم تكلل بالنجاح التام، إلا أن الكويت وسلطنة عمان لعبتا دوراً ملموساً من أجل إبقاء الحوار قائماً بين قطر والدول الثلاث، ونجحت المساعي مع المملكة العربية السعودية، وأسفرت عن تبادل زيارات على مستوى رفيع بين البلدين، وبدا للمراقبين أن كسر الجليد بين الدوحة والرياض وعودة لغة الحوار لم تقابله نتائج مماثلة مع الإمارات والبحرين، بل على العكس من ذلك، ظهرت بوادر تصعيد، كانسحاب البلدين من مونديال كرة اليد المقرر أن تستضيفه الدوحة في يناير/كانون ثاني المقبل. وجاء ذلك، قبل أيام معدودة، من اجتماع كان مقرراً لوزراء خارجية دول الخليج في الدوحة، يوم العاشر من الشهر الحالي، بهدف التحضير لقمة مجلس التعاون المقررة أن تنعقد في الدوحة في التاسع من ديسمبر/كانون أول المقبل. يشي تأجيل الاجتماع الوزاري بأن لغة الشروط هي التي لا تزال تتحكم في مسار الأزمة، وهو أمر غير معهود بين الدول ذات السيادة التي تحل اختلافاتها وخلافاتها عن طريق أسس التحكيم المتعارف عليها، وهي عملية تبدو متيسرة وسهلة جدّاً، داخل الاتحادات التي تحكمها أنظمة عمل داخلية، على قدر كبير من الوضوح، في ما يخص قواعد حل الخلافات البينية، وهذا الأمر ليس جديداً بالنسبة إلى مجلس التعاون الخليجي الذي سبق أن واجه تحديات وأزمات أكثر خطورة وتعقيداً من الأزمة الراهنة، وقد تم الخروج بالمجلس موحداً، وأكثر تماسكاً، في المرات الماضية، بفضل الإرادات المشتركة، وتغليب الحوار. قد تختلف قطر مع الإمارات في بعض التوجهات، ويمكن أن لا تتفق البحرين مع سلطنة عمان في شأن مواقف سياسية كثيرة، وهذا أمر طبيعي بين دول لها الحرية التامة في اتباع السياسات التي تناسبها، ولكن، ما هو غير طبيعي أن يحاول بعضهم مصادرة قرار الآخرين، وأن يملي عليهم سياسات تتنافى مع توجهاتهم وسياساتهم السيادية. -