رأي: المحامون والموثقون.. لا أزمة ولا إشكال ...

اثنين, 2016-01-25 12:29
ذ/ محمد المامي ولد مولاي أعلي محام لدى المحاكم

طالعت في بعض المواقع الإخبارية خبرا مفاده، وجود بوادر لأزمة بين المحامين والموثقين، على خلفية صدور تعديل للمدونة التجارية يتضمن وجوب تحرير العقود التي يفرض القانون إبرامها بواسطة عقد موثق من طرف محام ممارس، وهو التعديل الذي جاء في الخبر أن الموثقين يعترضون عليه ويرفضون تطبيقه.

     والحق أن هذا التعديل الذي دخل حيز التنفيذ بعد صدور عدد الجريدة الرسمية رقم 1348 مكرر بتاريخ 30 نوفمبر 2015 ، لا يثير إشكالا، ولا يستثير أزمة، ولا ينبغي له،  فالموثقون مأمورون عموميون مكلفون باستقبال العقود والتصرفات التي يريد الأطراف إعطاءها الصفة الرسمية، ويجب عليهم أن يقدموا خدماتهم كلما طلب منهم ذلك طبقا للمادة الأولى من قانون الموثقين، وعلى ذلك لا يمكنهم رفض استقبال العقود –المحررة من محامين- متى ما طلب الأطراف إعطاءها الصفة الرسمية

      ثم إنه ليس صحيحا أن المادة أسندت مهمة التوثيق للمحامين، وإنما أسندت لهم فقط مهمة التحرير –تحت طائلة البطلان- وهي مرحلة متعلقة بإبرام العقد وتقديم الاستشارة لطرفيه، وصياغته الصياغة القانونية الحازمة، فهي مرحلة سابقة على التوثيق وغير متداخلة معها، ومعنى ذلك أنه لم ينتزع شيئا من صلاحيات الموثقين، التي هي إضفاء الصفة الرسمية وإثبات التاريخ وحفظ العقود وإصدار النسخ التنفيذية والمستخرجات، وإنما أضاف مرحلة سابقة عليهم هي تحرير العقد من طرف محام ممارس.

      فالتعديل إذا لا يتعارض مع قانون الموثقين ولا المرسوم المحدد للتصرفات الواجبة التوثيق، إذ يبقى الموثقون مختصين دون غيرهم باستقبال التصرفات المحددة في المرسوم وتوثيقها، طبقا لقانون الموثقين، أما المحامون فاختصاصهم محصور في وقت إبرام التصرف وتحريره، وهي مرحلة سابقة على استقبال الموثقين له، بل إن المرسوم نفسه نص في مادته الثالثة على أن هذه التصرفات تبقى خاضعة فيما يتعلق بصحتها للقواعد العامة أو القواعد الخاصة لكل تصرف، فاشتراط تحرير العقد كتابة من طرف محام تحت طائلة البطلان، هو ركن شكلي من أركان العقد، سابق على توثيقه، تماما كاشتراط تطابق الإيجاب والقبول الذي هو ركن موضوعي يشترط في صحة العقد.

      ومعنى ذلك أن القاعدة التي تجعل العقد باطلا ما لم يحرره محام ، هي قاعدة منسجمة تماما مع قانون الموثقين والمرسوم المطبق له غير متعارضة معه، إذ هي قاعدة متعلقة بصحة العقد لا بتوثيقه، وإن جاز لها أن تتعارض معه بحكم أن التعديل يلغي كافة المقتضيات السابقة المخالفة له، لكنها في الحقيقة لم تتعارض مع مقتضياته ولم تخض في مجاله.

     وإذا كان ذلك كذلك فإن النص لا يثير أي إشكال –موضوعي- يستثير أزمة بين المحامين والموثقين، وإن أثار بعض الملاحظات الفنية المتعلقة أساسا بكون المادة 116 مكررة  أدرجت في نص المدونة التجارية، وتحدثت عن كافة العقود التي يفرض القانون توثيقها، والواقع أن هذه العقود محددة بالمادة 2 من المرسوم رقم 130/99 المحدد للائحة التصرفات الواجب توثيقها، وقد تضمنت اللائحة 34 تصرفا، تشمل عقودا مدنية وأخرى تجارية، وكان الأولى بالمادة أن تدرج في قانون الالتزامات والعقود، الذي هو الشريعة العامة، بدل المدونة التجارية التي هي نص خاص.

     لكن هذه الملاحظة -وإن كانت واردة- إلا أنها مع ذلك تجد الحل القانوني في كون المدونة التجارية نصت على مجال تطبيقها في مادتها الأولى بقولها: (ينظم هذا القانون أساسا القواعد المتعلقة بالأعمال التجارية والتجار)، ولم تفعل ما فعلته المدونة التجارية المغربية مثلا حين قالت: (ينظم هذا القانون القواعد المتعلقة بالأعمال التجارية والتجار)، إذ حصرت المدونة المغربية مجالها في القواعد المتعلقة بالأعمال التجارية والتجار، بيمنا لم تفعل مدونتنا التجارية ذلك بإضافتها لعبارة (أساسا) التي تنفي الحصر، وبذلك يكون من المستساغ النص في متنها على وجوب تحرير كافة العقود من طرف محام، دون أن تقصرها على العقود التجارية.

      ويؤكد ذلك أن المدونة التجارية ليست غريبة على تنظيم شأن من شؤون المهن الحرة إذ تنص أيضا في نفس المادة على أنه: (وهو ينظم كذلك أي مؤسسة تزاول نشاطا اقتصاديا في الحالات التي تنص عليها مقتضياته)، ثم تضيف المادة: (يطلق النشاط الاقتصادي في اصطلاح هذه المدونة على…… والخدمات الممارسة في مجال المهن الحرة الخاضعة لمراعاة الطابع الشخصي للمتعاقد)، ولذلك ألغى التعديل المقتضيات المخالفة له من المدونة التجارية بنصه في مادته الأولى على أنه: (تُعدَّل وتكمل وتلغى بعض أحكام القانون رقم 2000ـ05 الصادر بتاريخ 18 يناير2000 المتضمن مدونة التجارة، على النحو التالي…)، ثم ألغى أيضا الترتيبات المخالفة في النصوص القانونية الأخرى بمادته الأخيرة التي نصت على أنه: (يلغي هذا القانون جميع الترتيبات السابقة المخالفة له).

      وعلى كل حال، نحن أمام نص قانوني يضيف إجراء حمائيا آخر للعقود الموثقة، خصوصا أنها تكتسي الطابع الرسمي المميز لعمل السلطة العمومية (المادة 1 من قانون الموثقين)، وهي واجبة النفاذ كالأحكام القضائية النهائية غير القابلة للطعون العادية (المادة 298 من قانون الإجراءات المدنية)، وتتمتع بقوة قوانين الدولة (المادة 1 من المرسوم المحدد للتصرفات الواجبة التوثيق) فتنبغي العناية بتحريرها تحريرا حازما يحول دون إثارة إشكالات التفسير والتنفيذ، ويُظهر بجلاء إرادة كل طرف، بدل ترك ذلك للأطراف، ولذلك أوكلت التشريعات المعاصرة مهمة تحرير هذه العقود للمحامين كما في التشريع المصري والسوري والتونسي والسنغالي والمغربي، وغيرهم.

      فالحق إذا أن هذا النص لا يثير أزمة بين المحامين والموثقين –أو لا ينبغي له على الأقل-، وإنما الذي ينبغي أن يثير ويستثير هو التنبيه على أن كل العقود الموثقة دون أن تكون محررة من طرف محام بعد 30 نوفمبر 2015 الماضي –تاريخ صدور النص- معرضة للبطلان المطلق، مما يستوجب إعادة تحريرها وتوثيقها، و يحتم ضرورة تحسيس المواطنين بمقتضيات هذا النص، تلافيا لبطلان عقودهم، وهذه هي مهمة المحامين والموثقين على حد سواء، باعتبارهم من أهم سدنة الحق والقانون في البلد.

                                                                        ذ/ محمد المامي ولد مولاي أعلي

                                                                               محام لدى المحاكم